Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم { وضحاها } بفتح أواخر هذه السورة . وقرأ الكسائي بامالة ذلك كله . وقرأ ابو عمرو ونافع جميع ذلك بين الكسر والفتح . وقرأ حمزة { وضحها } كسراً وفتح { تلاها } و { طحاها } فمن فتح ، فلأنه الأصل ، والامالة تخفيف . وبين بين تخفيف يشعر بالأصل . فأما حمزة فأمال بنات الياء . وفخم بنات الواو . هذا قسم من الله تعالى بالشمس وضحاها ، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه تنبيهاً على عظم شأنه وكثرة الانتفاع به ، فلما كانت الشمس قد عظم الانتفاع بها وقوام العالم من الحيوان والنبات بطلوعها وغروبها ، جاز القسم بها ، ولما فيها من العبرة بنشىء الضوء حتى تقوى تلك القوة العظيمة باذن الله . وقوله { وضحا } يعني ضحاها الشمس ، وهو صدر وقت طلوعها ، وضحى النهار صدر وقت كونه ، قال الشاعر : @ أعجلها اقدحي الضحاء ضحى وهي تناصي ذوائب السلم @@ وأضحى يفعل كذا إذا فعله فى وقت الضحى ، ويقال : ضحّى بكبش أو غيره إذا ذبحه في وقت الضحى من ايام الاضحى . ثم كثر حتي قيل لو ذبحه آخر النهار . وقوله { والقمر إذا تلاها } قسم آخر بالقمر وتلوه الشمس ووجه الدلالة من جهة تلو القمر للشمس من جهة المعاقبة على أمور مرتبة فى النقصان والزيادة ، لانه لا يزال ضوء الشمس ينقص إذا غاب جرمها ، ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائبين ، تسخيراً من الله للعباد بما ليس فى وسعهم أن يجروه على شيء من ذلك المنهاج . وقال ابن زيد : القمر إذا اتبع الشمس فى النصف الاول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر بالطلوع ، وفى آخر الشهر يتلوها فى الغروب وقال الحسن { والشمس وضحاها } أي يضيء نورها { والقمر إذا تلاها } يعني ليلة الهلال . وقيل : تلاها فى الضوء . وقوله { والنهار إذا جلاها } قسم آخر بالنهار إذا جلاها يعني الشمس بضوءها المبين بجرمها . وقيل معناه إذا جلا الظلمة ، فالهاء كناية عن الظلمة ، ولم يتقدم لها ذكر لانه معروف غير ملتبس { والليل إذا يغشاها } قسم آخر بالليل إذا يغشاها يعني الشمس بظلمته عند سقوط الشمس . وقوله { والسماء وما بناها } قال قتادة : معناه والسماء وبنائها جعل ( ما ) مع ما بعدها بمنزلة المصدر . وقال مجاهد والحسن : معنى والسماء وما بناها والسماء ومن بنى السماء وهو الله تعالى . وقوله { والأرض وما طحاها } قسم آخر بالارض ما طحاها ، ويحتمل ذلك وجهين : احدهما - ان يكون المعنى والارض وطحوها . والثاني - والارض ومن طحاها ، وهو الله تعالى ومعنى طحاها بسطها حتى أمكَن التصرف عليها . وقال مجاهد والحسن : طحاها ودحاها واحد ، بمعنى بسطها يقال طحى يطحو طحواً ودحا يدحو دحواً وطحا بك همك . ومعناه انبسط بك إلى مذهب بعيد ، فهو يطحو بك طحواً قال علقمة : @ طحا بك قلب فى الحسان طروب @@ ويقال : القوم يطحي بعضهم بعضاً عن الشيء أي يدفع دفعاً شديد الانبساط والطواحي النسور تنبسط حول القتلى ، وأصل الطحو البسط الواسع . وقوله { ونفس وما سواها } قسم آخر بالنفس وما سواها ، وهو محتمل ايضاً لامرين : احدهما - ونفس وتسويتها ، والثاني - ونفس ومن سواها ، وهو الله تعالى . وقال الحسن يعني بالنفس آدم ومن سواها الله تعالى . وقيل : ان ( ما ) فى هذه الآيات بمعنى ( من ) كما قال { فانكحوا ما طاب لكم } وإنما أراد ( مَنْ ) وقال ابو عمرو بن العلا : هي بمعنى الذي ، وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرعد : سبحان ما سبحت له بمعنى سبحان من سبحت له . وقوله { فألهمها فجورها وتقواها } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وسفيان : معناه عرفها طريق الفجور والتقوى ورغبها فى التقوى وزهدها فى الفجور . وقال قوم : خذلها حتى اختارت الفجور وألهمها تقواها بأن وفقها لها . وقوله { قد أفلح من زكاها } جواب القسم واللام مقدرة ، وتقديره لقد أفلح من زكاها أي من زكى نفسه بالصدقة ، وقد خاب من دساها وأخفى عن المتصدق ، والمعنى قد أفلح من زكى نفسه بالعمل الصالح أو اجتناب المعصية - وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - وقال قوم : معناه قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دساها نفسه وقوله { وقد خاب من دساها } معناه قد خاب أي خسر من دس نفسه فى معاصي الله منهمكاً فى القبائح التي نهاه الله عنها . وقيل : معناه دساها بالبخل ، لان البخيل يخفى نفسه ومنزله لئلا يطلب نائله ، ودسا نفسه نقيض زكاها بالعمل الصالح ، وكذلك دساها بالعمل الفاسد حتى صيرها فى محاق وخسران . ويقال دسا فلان يدسو دسواً ودسوة فهو داس نقيض زكا يزكو زكا فهو زاك . وقيل معنى دساها أي دسها بمعنى حملها ووضع منها بمعصية . وأبدل من أحدى السينين ياء ، كما قالوا تظنيت بمعنى تظننت قال الشاعر : @ تقضي البازي إذا الباري كسر @@ بمعنى تقضض .