Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-13)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا قسم من الله تعالى بالليل إذا غشيه الظلام ، فاظلم وادلهمّ وغشى الأنام لما فى ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام . ثم اقسم بالنهار إذا تجلى ، ومعناه إذا أنار وظهر للابصار لما فى ذلك من الاعتبار . وقيل التقدير والليل إذا يغشى النهار ، فيذهب بضوئه { والنهار إذا تجلى } أي جلى الليل ، فأذهب ظلمته ، ذكره الحسن . والغشي إلباس الشيء ما يغمر ويستر جملته ، وإنما كرر ذكرهما فى السورتين لعظم شأنهما ، وجلالة موقعهما فى باب الدلالة على توحيد الله - ذكره قتادة - . وقوله { وما خلق الذكر والأنثى } للتناسل بينهما . ويحتمل أن يكون المراد ومن خلق الذكر والانثى ، وفى قراءة عبد الله { والذي خلق الذكر والأنثى } لان ( ما ) بمعني الذي ، وهو الله ، فيكون القسم بالله . وعلى الأول يكون القسم بخلق الله . وقيل : المراد بالذكر والانثى آدم وحواء عليهما السلام . وقوله { إن سعيكم لشتى } جواب للقسم ، ومعناه إن سعيكم لمختلف ، فسعي المؤمن خلاف سعي الكافر . ومعنى " شتى " أي متفرق على تباعد ما بين الشيئين جداً ، ومنه شتان أي بعد ما بينهما جداً كبعد ما بين الثرى والثريا . ويقال : تشتت أمر القوم وشتتهم ريب الزمان . وقوله { فأما من أعطى واتقى } معناه من أعطى حق الله واتقى محارم الله - ذكره قتادة - { وصدق بالحسنى } قال ابن عباس وعكرمة : وصدق بالخلف . وقال الضحاك : صدق بتوحيد الله ، وقال مجاهد والحسن : يعني صدق بالجنة . وقال قتادة : بوعد الله ، والحسنى النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها ، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها . وقوله { فسنيسره لليسرى } معناه يسهل عليه الأمر ، فالتيسير تصيير الأمر سهلا . ومثله التسهيل والتخفيف ، ونقيض التيسير التعسير وهو تصير الامر صعباً . واليسير نقيض العسير ، يقال : أيسر إذا كثر ماله ويوسر ايساراً . وتقديره فسنيسره للحال اليسرى ، فلذلك أنث فحال اليسير اليسرى ، وحال العسير العسرى . والتيسير لليسرى يكون بأن يصيرهم إلى الجنة ، والتيسير للعسرى بأن يصيرهم إلى النار . ويجوز أن يكون المراد بالتمكين من سلوك طريق الجنة ، والتمكين من سلوك طريق النار . ومعناه إنا لسنا نمنع المكلفين من سلوك أحد الطريقين ولا نضطرهم اليه ، وإنما نمكنهم بالاقرار عليهما ورفع المنع ، والترغيب فى احداهما ، والتزهيد فى الاخرى . فان احسن الاختيار اختار ما يؤديه إلى الجنة . وإن أساء فاختار ما يؤد به إلى النار فمن قبل نفسه أتى . وقوله { وأما من بخل واستغنى } يعني به من منع حق الله الذي أوجب عليه من الزكاة والحقوق الواجبة في ماله ، واستغنى بذلك وكثر ماله ، فسنيسره للعسرى يعني طريق النار . وقد بينا كيفية تيسير الله لذلك من التمكين أو التصيير فلا حاجة لاعادته . والعسرى البلية العظمى بما تؤدي اليه ، ونقيضها اليسرى ، وهو مأخوذ من العسر واليسر ، فحال العسر العسرى وحال اليسر اليسرى ، ومذكره الأيسر ، والأمر الأعسر . وقال الفراء : المعنى فسنيسره للعود إلى الصالح من الاعمال ونيسره من الاعمال للعسرى على مزاوجة الكلام . والأولى أن تكون الآيتان على عمومهما فى كل من يعطي حق الله ، وكل من يمنع حقه ، لانه ليس - ها هنا - دليل قاطع على أن المختص بها إنسان بعينه ، وقد روي أنها نزلت فى أبي الدحداح الانصاري ، وسمرة بن حبيب ، ورووا فى ذلك قصة معروفة . وروي فى غيره . وقوله { وما يغنى عنه ماله إذا تردى } معناه أي شيء يغني عن هذا الذي بخل بماله ، ولم يخرج حق الله منه " إذا تردى " يعني فى نار جهنم - فى قول قتادة وابي صالح - وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام . وقال مجاهد : معناه إذا مات . وقال قوم : معناه { إذا تردى } فى القبر أي شيء يغنيه . وقيل { إذا تردى } فى النار فما الذي يغنيه . وقوله { إن علينا للهدى } قال قتادة معناه إن علينا لبيان الطاعة من المعصية وقيل فى قوله { إن علينا للهدى } دلالة على وجوب هدى المكلفين إلى الدين ، وانه لا يجوز إضلالهم منه . وقوله { وإن لنا للآخرة } معناه الاخبار من الله بأن له دار الآخرة والجزاء فيها على الأعمال ، والامر والنهي ليس لاحد سواه ، لان دار الدنيا قد ملك فيها أقواماً التصرف ، وقوله { والأولى } معناه وإن لنا الأولى ايضاً يعني دار الدنيا . فانه الذي خلق الخلق فيها ، وهو الذي مكنهم من التصرف فيها وهو الذى ملكهم ما ملكهم ، فهي ايضاً ماله على كل حال .