Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 27-27)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه كما شرح حال المسلمين في الآية المتقدمة ، شرح حال من أقدم على السيئات في هذه الآية ، وذكر تعالى من أحوالهم أموراً أربعة أولها : قوله : { جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } والمقصود من هذا القيد التنبيه على الفرق بين الحسنات وبين السيئات ، لأنه تعالى ذكر في أعمال البر أنه يوصل إلى المشتغلين بها الثواب مع الزيادة وأما في عمل السيئات ، فإنه تعالى ذكر أنه لا يجازي إلا بالمثل ، والفرق هو أن الزيادة على الثواب تكون تفضلاً وذلك حسن ، ويكون فيه تأكيد للترغيب في الطاعة ، وأما الزيادة على قدر الاستحقاق في عمل السيئات ، فهو ظلم ، ولو فعله لبطل الوعد والوعيد والترهيب والتحذير ، لأن الثقة بذلك إنما تحصل إذا ثبتت حكمته ، ولو فعل الظلم لبطلت حكمته . تعالى الله عن ذلك ، هكذا قرره القاضي تفريعاً على مذهبه . وثانيها : قوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } وذلك كناية عن الهوان والتحقير ، واعلم أن الكمال محبوب لذاته ، والنقصان مكروه لذاته ، فالإنسان الناقص إذا مات بقيت روحه ناقصة خالية عن الكمالات ، فيكون شعوره بكونه ناقصاً ، سبباً لحصول الذلة والمهانة والخزي والنكال . وثالثها : قوله : { مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } واعلم أنه لا عاصم من الله لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فإن قضاءه محيط بجميع الكائنات ، وقدره نافذ في كل المحدثات إلا أن الغالب على الطباع العاصية ، أنهم في الحياة العاجلة مشتغلون بأعمالهم ومراداتهم . أما بعد الموت فكل أحد يقر بأنه ليس له من الله من عاصم . ورابعها : قوله : { كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً } والمراد من هذا الكلام إثبات ما نفاه عن السعداء حيث قال : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } [ يونس : 26 ] . واعلم أن حكماء الإسلام قالوا : المراد من هذا السواد المذكور ههنا سواد الجهل وظلمة الضلالة ، فإن العلم طبعه طبع النور ، والجهل طبعه طبع الظلمة ، فقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَـٰحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [ عبس : 39 ] المراد منه نور العلم ، وروحه وبشره وبشارته ، وقوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [ عبس : 40 ] المراد منه ظلمة الجهل وكدورة الضلالة . المسألة الثانية : قوله : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } فيه وجهان : أحدهما : أن يكون معطوفاً على قوله : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } [ يونس : 26 ] كأنه قيل : للذين أحسنوا الحسنى وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها والثاني : أن يكون التقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها . على معنى أن جزاءهم أن يجازي سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها ، وهذا يدل على أن حكم الله في حق المحسنين ليس إلا بالفضل ، وفي حق المسيئين ليس إلا بالعدل . المسألة الثالثة : قال بعضهم : المراد بقوله : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } الكفار واحتجوا عليه بأن سواد الوجه من علامات الكفر ، بدليل قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } [ آل عمران : 106 ] وكذلك قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } [ عبس : 40 - 42 ] ولأنه تعالى قال بعد هذه الآية { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 28 ] والضمير في قوله : { هُمْ } عائد إلى هؤلاء ، ثم إنه تعالى وصفهم بالشرك ، وذلك يدل على أن هؤلاء هم الكفار ، ولأن العلم نور وسلطان العلوم والمعارف هو معرفة الله تعالى ، فكل قلب حصل فيه معرفة الله تعالى لم يحصل فيه الظلمة أصلاً ، وكان الشبلي رحمة الله تعالى عليه يتمثل بهذا ويقول : @ كل بيت أنت ساكنه غير محتاج إلى السرج وجهك المأمول حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج @@ وقال القاضي : إن قوله : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } عام يتناول الكافر والفاسق . إلا أنا نقول : الصيغة وإن كانت عامة إلا أن الدلائل التي ذكرناها تخصصه : المسألة الرابعة : قال الفراء : في قوله : { جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } وجهان : الأول : أن يكون التقدير : فلهم جزاء السيئة بمثلها ، كما قال : { فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ } [ البقرة : 196 ] أي فعليه . والثاني : أن يعلق الجزاء بالباء في قوله : { بِمِثْلِهَا } قال ابن الأنباري : وعلى هذا التقدير الثاني فلا بد من عائد الموصول . والتقدير : فجزاء سيئة منهم بمثلها . أما قوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } فهو معطوف على يجازي ، لأن قوله : { جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا } تقديره : يجازي سيئة بمثلها ، وقرىء { وَلاَ ذِلَّةٌ } بالياء . أما قوله تعالى : { كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً } ففيه مسائل : المسألة الأولى : { أُغْشِيَتْ } أي ألبست { وُجُوهُهُمْ قِطَعًا } قرأ ابن كثير والكسائي { قِطَعًا } بسكون الطاء ، وقرأ الباقون بفتح الطاء ، والقطع بسكون القطعة . وهي البعض ، ومنه قوله تعالى { فأسر بأهلك بقطع من الليل } [ هود : 81 ] أي قطعة . وأما قطع بفتح الطاء ، فهو جمع قطعة ، ومعنى الآية : وصف وجوههم بالسواد ، حتى كأنها ألبست سواداً من الليل ، كقوله تعالى : { تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] وكقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } [ آل عمران : 106 ] وكقوله : { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ } [ الرحمن : 41 ] وتلك العلامة هي سواد الوجه وزرقة العين . المسألة الثانية : قوله : { مُظْلِماً } قال الفراء والزجاج : هو نعت لقوله : { قِطَعًا } وقال أبو علي الفارسي : ويجوز أن يجعل حالاً كأنه قيل : أغشيت وجوههم قطعاً من الليل في حال ظلمته .