Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 26-26)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما دعا عباده إلى دار السلام ، ذكر السعادات التي تحصل لهم فيها فقال : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } فيحتاج إلى تفسير هذه الألفاظ الثلاثة . أما اللفظ الأول : وهو قوله : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } فقال ابن عباس : معناه : للذين ذكروا كلمة لا إله إلا الله . وقال الأصم : معناه : للذين أحسنوا في كل ما تعبدوا به ، ومعناه : أنهم أتوا بالمأمور به كما ينبغي ، واجتنبوا المنهيات من الوجه الذي صارت منهياً عنها . والقول الثاني : أقرب إلى الصواب لأن الدرجات العالية لا تحصل إلا لأهل الطاعات . وأما اللفظ الثاني : وهو { ٱلْحُسْنَىٰ } فقال ابن الأنباري : الحسنى في اللغة تأنيث الأحسن ، والعرب توقع هذه اللفظة على الحالة المحبوبة والخصلة المرغوب فيها ، ولذلك لم تؤكد ، ولم تنعت بشيء ، وقال صاحب « الكشاف » : المراد : المثوبة الحسنى . ونظير هذه الآية قوله : { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } [ الرحمن : 60 ] . وأما اللفظ الثالث : وهو الزيادة . فنقول : هذه الكلمة مبهمة ، ولأجل هذا اختلف الناس في تفسيرها ، وحاصل كلامهم يرجع إلى قولين : القول الأول : أن المراد من منها رؤية الله سبحانه وتعالى . قالوا : والدليل عليه النقل والعقل . أما النقل : فالحديث الصحيح الوارد فيه ، وهو أن الحسنى هي الجنة ، والزيادة هي النظر إلى الله سبحانه وتعالى . وأما العقل : فهو أن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف ، فانصرف إلى المعهود السابق ، وهو دار السلام . والمعروف من المسلمين والمتقرر بين أهل الإسلام من هذه اللفظة هو الجنة ، وما فيها من المنافع والتعظيم . وإذا ثبت هذا ، وجب أن يكون المراد من الزيادة أمراً مغايراً لكل ما في الجنة من المنافع والتعظيم ، وإلا لزم التكرار . وكل من قال بذلك قال : إنما هي رؤية الله تعالى . فدل ذلك على أن المراد من هذه الزيادة : الرؤية . ومما يؤكد هذا وجهان : الأول : أنه تعالى قال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] فأثبت لأهل الجنة أمرين : أحدهما : نضرة الوجوه والثاني : النظر إلى الله تعالى ، وآيات القرآن يفسر بعضها بعضاً فوجب حمل الحسنى ههنا على نضرة الوجوه ، وحمل الزيادة على رؤية الله تعالى . الثاني : أنه تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] أثبت له النعيم ، ورؤية الملك الكبير ، فوجب ههنا حمل الحسنى والزيادة على هذين الأمرين . القول الثاني : أنه لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية . قالت المعتزلة ويدل على ذلك وجوه : الأول : أن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية الله تعالى ممتنعة . والثاني : أن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ، ورؤية الله تعالى ليست من جنس نعيم الجنة . الثالث : أن الخبر الذي تمسكتم به في هذا الباب هو ما روي أن الزيادة ، هي النظر إلى وجه الله تعالى ، وهذا الخبر يوجب التشبيه ، لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جهة المرئي . وذلك يقتضي كون المرئي في الجهة ، لأن الوجه اسم للعضو المخصوص ، وذلك أيضاً يوجب التشبيه . فثبت أن هذا اللفظ لا يمكن حمله على الرؤية ، فوجب حمله على شيء آخر ، وعند هذا قال الجبائي : الحسنى عبارة عن الثواب المستحق ، والزيادة هي ما يزيده الله تعالى على هذا الثواب من التفضل . قال : والذي يدل على صحته ، القرآن وأقوال المفسرين . أما القرآن : فقوله تعالى : { لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } [ فاطر : 30 ] . وأما أقوال المفسرين : فنقل عن علي رضي الله عنه أنه قال : الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة . وعن ابن عباس : أن الحسنى هي الحسنة ، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن : عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وعن مجاهد : الزيادة مغفرة الله ورضوانه . وعن يزيد بن سمرة : الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول : ما تريدون أن أمطركم . فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم . أجاب أصحابنا عن هذه الوجوه فقالوا : أما قولكم إن الدلائل العقلية دلت على امتناع رؤية الله تعالى فهذا ممنوع ، لأنا بينا في كتب الأصول أن تلك الدلائل في غاية الضعف ونهاية السخافة ، وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية الله تعالى وجاءت الأخبار الصحيحة بإثبات الرؤية ، وجب إجراؤها على ظواهرها . أما قوله الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه . فنقول : المزيد عليه ، إذا كان مقدراً بمقدار معين ، وجب أن تكون الزيادة عليه مخالفة له . مثال الأول : قول الرجل لغيره : أعطيتك عشرة أمداد من الحنطة وزيادة ، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة من الحنطة . ومثال الثاني : قوله أعطيتك الحنطة وزيادة ، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة غير الحنطة ، والمذكور في هذه الآية لفظ { ٱلْحُسْنَىٰ } وهي الجنة ، وهي مطلقة غير مقدرة بقدر معين ، فوجب أن تكون تلك الزيادة عليها شيئاً مغايراً لكل ما في الجنة . وأما قوله : الخبر المذكور في هذا الباب ، اشتمل على لفظ النظر ، وعلى إثبات الوجه لله تعالى ، وكلاهما يوجبان التشبيه . فنقول : هذا الخبر أفاد إثبات الرؤية ، وأفاد إثبات الجسمية . ثم قام الدليل على أنه ليس بجسم ، ولم يقم الدليل على امتناع رؤيته ، فوجب ترك العمل بما قام الدليل على فساده فقط ، وأيضاً فقد بينا أن لفظ هذه الآية يدل على أن الزيادة هي الرؤية من غير حاجة تنافي تقرير ذلك الخبر ، والله أعلم . واعلم أنه تعالى لما شرح ما يحصل لأهل الجنة من السعادات ، شرح بعد ذلك الآفات التي صانهم الله بفضله عنها ، فقال : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } والمعنى : لا يغشاها قتر ، وهي غبرة فيها سواد { وَلاَ ذِلَّةٌ } ولا أثر هوان ولا كسوف . فالصفة الأولى : هي قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [ عبس : 40 ] . والصفة الثانية : هي قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [ الغاشية : 2 ، 3 ] والغرض من نفي هاتين الصفتين ، نفي أسباب الخوف والحزن والذل عنهم ، ليعلم أن نعيمهم الذي ذكره الله تعالى خالص غير مشوب بالمكروهات ، وإنه لا يجوز عليهم ما إذا حصل غير صفحة الوجه ، ويزيل ما فيها من النضارة والطلاقة ، ثم بين أنهم خالدون في الجنة لا يخافون الانقطاع . واعلم أن علماء الأصول قالوا : الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فقوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } [ يونس : 25 ] يدل على غاية التعظيم . وقوله : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } يدل على حصول المنفعة وقوله : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } يدل على كونها خالصة وقوله : { أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع والله أعلم .