Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن فيه مسائل : المسألة الأولى : القرع الضرب بشدة واعتماد ، ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة ، قال الله تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } [ الرعد : 31 ] ومنه قولهم : العبد يقرع بالعصا ، ومنه المقرعة وقوارع القرآن وقرع الباب ، وتقارعوا تضاربوا بالسيوف ، واتفقوا على أن القارعة اسم من أسماء القيامة ، واختلفوا في لمية هذه التسمية على وجوه أحدها : أن سبب ذلك هو الصيحة التي تموت منها الخلائق ، لأن في الصيحة الأولى تذهب العقول ، قال تعالى : { فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] وفي الثانية تموت الخلائق سوى إسرافيل ، ثم يميته الله ثميحييه ، فينفخ الثالثة فيقومون . وروى أن الصور له ثقب على عدد الأموات لكل واحد ثقبة معلومة ، فيحيـي الله كل جسد بتلك النفخة الواصلة إليه من تلك الثقبة المعينة ، والذي يؤكد هذا الوجه قوله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } [ يس : 49 ] { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } [ الصافات : 19 ] وثانيها : أن الأجرام العلوية والسفلية يصطكان اصطكاكاً شديداً عند تخريب العالم ، فبسبب تلك القرعة سمي يوم القيامة بالقارعة وثالثها : أن القارعة هي التي تقرع الناس بالأهوال والإفزاع ، وذلك في السموات بالانشقاق والإنفطار ، وفي الشمس والقمر بالتكور ، وفي الكواكب بالانتثار ، وفي الجبال بالدك والنسف ، وفي الأرض بالطي والتبديل ، وهو قول الكلبي ورابعها : أنها تقرع أعداء الله بالعذاب والخزي والنكال ، وهو قول مقاتل ، قال بعض المحققين وهذا أولى من قول الكلبي لقوله تعالى : { وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ } [ النمل : 89 ] . المسألة الثانية : في إعراب قوله : { ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ } وجوه أحدها : أنه تحذير وقد جاء التحذير بالرفع والنصب تقول : الأسد الأسد ، فيجوز الرفع والنصب وثانيها : وفيه إضمار أي ستأتيكم القارعة على ما أخبرت عنه في قوله : { إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ } [ العاديات : 9 ] وثالثها : رفع بالابتداء وخبره : { مَا ٱلْقَارِعَةُ } وعلى قول قطرب الخبر . { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } فإن قيل : إذا أخبرت عن شيء بشيء فلا بد وأن تستفيد منه علماً زائداً ، وقوله : { وَمَا أَدْرَاكَ } يفيد كونه جاهلاً به فكيف يعقل أن يكون هذا خبراً ؟ قلنا : قد حصل لنا بهذا الخبر علم زائد ، لأنا كنا نظن أنها قارعة كسائر القوارع ، فبهذا التجهيل علمنا أنها قارعة فاقت القوارع في الهول والشدة . المسألة الثالثة : قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } فيه وجوه أحدها : معناه لا علم لك بكنهها ، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد ولا فهمه ، وكيفما قدرته فهو أعظم من تقديرك كأنه تعالى قال : قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة كأنها ليست بقوارع ، ونار الدنيا في جنب نار الآخرة كأنها ليست بنار ، ولذلك قال في آخر السورة : { نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 11 ] تنبيهاً على أن نار الدنيا في جنب تلك ليست بحامية ، وصار آخر السورة مطابقاً لأولها من هذا الوجه . فإن قيل : ههنا قال : { وَمَا أَدْرَاكَ ما القارعة } وقال في آخر السورة : { فَأُمُّهُ هاويه وما أدراك ماهيه } [ القارعة : 9 ، 10 ] ولم يقل : وماأدراك ما هاوية فما الفرق ؟ قلنا : الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس ، أما كونها هاوية فليس كذلك ، فظهر الفرق بين الموضعين وثانيها : أن ذلك التفصيل لا سبيل لأحد إلى العلم به إلا بأخبار الله وبيانه ، لأنه بحث عن وقوع الوقعات لا عن وجوب الواجبات ، فلا يكون إلى معرفته دليل إلا بالسمع . المسألة الرابعة : نظير هذه الآية قوله : { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 1 - 3 ] ثم قال المحققون قوله : { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } أشد من قوله : { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ } لأن النازل آخراً لا بد وأن يكون أبلغ لأن المقصود منه زيادة التنبيه ، وهذه الزيادة لا تحصل إلا إذا كانت أقوى ، وأما بالنظر إلى المعنى ، فالحاقة أشد لكونه راجعاً إلى معنى العدل ، والقارعة أشد لما أنها تهجم على القلوب بالأمر الهائل .