Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 4-5)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } . قال صاحب الكشاف : الظرف نصب بمضمر دلت عليه القارعة ، أي تقرع يوم يكون الناس كذا . واعلم أنه تعالى وصف ذلك اليوم بأمرين الأول : كون الناس فيه : كالفراش المبثوث قال الزجاج : الفراش هو الحيوان الذي يتهافت في النار ، وسمي فراشاً لتفرشه وانتشاره ، ثم إنه تعالى شبه الخلق وقت البعث ههنا بالفراش المبثوث ، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر . أما وجه التشبيه بالفراش ، فلأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة ، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى ، يدل هذا على أنهم إذا بعثوا فزعوا ، واختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة غير معلومة ، والمبثوث المفرق ، يقال : بثه إذا فرقه . وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة . قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً ، وبالجملة فالله سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث بالجراد المنتشر ، وبالفراش المبثوث ، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش ، ويأكد ما ذكرنا بقوله تعالى : { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } [ النبأ : 18 ] وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ المطففين : 6 ] وقوله في قصة يأجوج ومأجوج : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } [ الكهف : 99 ] فإن قيل : الجراد بالنسبة إلى الفراش كبار ، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ؟ قلنا : شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين . أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى . وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع ، ويحتمل أن يقال : إنها تكون كباراً أولاً كالجراد ، ثم تصير صغاراً كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس ، وذكروا في التشبيه بالفراش وجوهاً أخرى أحدها : ما روى أنه عليه السلام قال : " " الناس عالم ومتعلم ، وسائر الناس همج رعاع " " فجعلهم الله في الأخرى كذلك : جزاء وفـاقاً وثانيها : أنه تعالى إنما أدخل حرف التشبيه ، فقال : { كَٱلْفَرَاشِ } لأنهم يكونون في ذلك اليوم أذل من الفراش ، لأن الفراش لا يعذب ، وهؤلاء يعذبون ، ونظيره : { كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ افرقان : 44 ] الصفة الثانية : من صفات ذلك اليوم قوله تعالى : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } العهن الصوف ذو الألوان ، وقد مر تحقيقه عند قوله : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [ المعارج : 9 ] والنفش فك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض ، وفي قراءة ابن مسعود : كالصوف المنفوش . واعلم أن الله تعالى أخبر أن الجبال مختلفة الألوان على ما قال : { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [ فاطر : 27 ] ثم إنه سبحانه يفرق أجزاءها ويزيل التأليف والتركيب عنها فيصير ذلك مشابهاً للصوف الملون بالألوان المختلفة إذا جعل منفوشاً ، وههنا مسائل : المسألة الأولى : إنما ضم بين حال الناس وبين حال الجبال ، كأنه تعالى نبه على أن تأثير تلك القرعة في الجبال هو أنها صارت كالعهن المنفوش ، فكيف يكون حال الإنسان عند سماعهاٰ فالويل ثم الويل لابن آدم إن لم تتداركه رحمة ربه ، ويحتمل أن يكون المراد أن جبال النار تصير كالعهن المنفوش لشدة حمرتها . المسألة الثانية : قد وصف الله تعالى تغير الأحوال على الجبال من وجوه أولها : أن تصير قطعاً ، كما قال : { وحملت ٱلأَرْض والجبال فدُكَّتا دَكّةً واحدة } [ الحاقة : 14 ] ، وثانيها : أن تصير كثيباً مهيلاً ، كما قال : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] ثم تصير كالعهن المنفوش ، وهي أجزاء كالذر تدخل من كوة البيت لا تمسها الأيدي ، ثم قال : في الرابع تصير سراباً ، كما قال : { وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] المسألة الثالثة : لم يقل : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش بل قال : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } لأن التكوير في مثل هذا المقام أبلغ في التحذير .