Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 91-91)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه عليه السلام لما بالغ في التقرير والبيان ، أجابوه بكلمات فاسدة . فالأول : قولهم : { يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : لقائل أن يقول : أنه عليه السلام كان يخاطبهم بلسانهم ، فلم قالوا : { مَا نَفْقَهُ } والعلماء ذكروا عنه أنواعاً من الجوابات : فالأول : أن المراد : ما نفهم كثيراً مما تقول ، لأنهم كانوا لا يلقون إليه أفهامهم لشدة نفرتهم عن كلامه وهو كقوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [ الأنعام : 25 ] الثاني : أنهم فهموه بقلوبهم ولكنهم ما أقاموا له وزناً ، فذكروا هذا الكلام على وجه الاستهانة كما يقول الرجل لصاحبه إذ لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول . الثالث : أن هذه الدلائل التي ذكرها ما أقنعتهم في صحة التوحيد والنبوة والبعث ، وما يجب من ترك الظلم والسرقة ، فقولهم : { مَا نَفْقَهُ } أي لم نعرف صحة الدلائل التي ذكرتها على صحة هذه المطالب . المسألة الثانية : من الناس من قال : الفقه اسم لعلم مخصوص ، وهو معرفة غرض المتكلم من كلامه واحتجوا بهذه الآية وهي قوله : { مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } فأضاف الفقه إلى القول ثم صار اسماً لنوع معين من علوم الدين ، ومنهم من قال : إنه اسم لمطلق الفهم . يقال : أوتي فلان فقهاً في الدين ، أي فهماً . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " " أي يفهمه تأويله . والنوع الثاني : من الأشياء التي ذكروها قولهم : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } وفيه وجهان : الأول : أنه الضعيف الذي يتعذر عليه منع القوم عن نفسه ، والثاني : أن الضعيف هو الأعمى بلغة حمير . واعلم أن هذا القول ضعيف لوجوه : الأول : أنه ترك للظاهر من غير دليل ، والثاني : أن قوله : { فِينَا } يبطل هذا الوجه ألا ترى أنه لو قال : إنا لنراك أعمى فينا كان فاسداً ، لأن الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم ، الثالث : أنهم قالوا بعد ذلك { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ } فنفوا عنه القوة التي أثبتوها في رهطه ، ولما كان المراد بالقوة التي أثبتوها للرهط هي النصرة ، وجب أن تكون القوة التي نفوها عنه هي النصرة ، والذين حملوا اللفظ على ضعف البصر لعلهم إنما حملوه عليه ، لأنه سبب للضعف . واعلم أن أصحابنا يحوزون العمى على الأنبياء ، إلا أن هذا اللفظ لا يحسن الاستدلال به في إثبات هذا المعنى لما بيناه . وأما المعتزلة فقد اختلفوا فيه فمنهم من قال : إنه لا يجوز لكونه متعبداً فإنه لا يمكنه الاحتراز عن النجاسات ، ولأنه ينحل بجواز كونه حاكماً وشاهداً ، فلأن يمنع من النبوة كان أولى ، والكلام فيه لا يليق بهذه الآية ، لأنا بينا أن الآية لا دلالة فيها على هذا المعنى . والنوع الثالث : من الأشياء التي ذكروها قولهم : { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : قال صاحب « الكشاف » : الرهط من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل إلى السبعة ، وقد كان رهطه على ملتهم . قالوا لولا حرمة رهطك عندنا بسبب كونهم على ملتنا لرجمناك ، والمقصود من هذا الكلام أنهم بينوا أنه لا حرمة له عندهم ، ولا وقع له في صدورهم ، وأنهم إنما لم يقتلوه لأجل احترامهم رهطه . المسألة الثانية : الرجم في اللغة عبارة عن الرمي ، وذلك قد يكون بالحجارة عند قصد القتل ، ولما كان هذا الرجم سبباً للقتل لا جرم سموا القتل رجماً ، وقد يكون بالقول الذي هو القذف ، كقوله : { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } [ الكهف : 22 ] وقوله : { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ سبأ : 53 ] وقد يكون بالشتم واللعن ، ومنه قوله : { ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } [ النحل : 98 ] وقد يكون بالطرد كقوله : { رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } [ الملك : 5 ] . إذا عرفت هذا ففي الآية وجهان : الأول : { لَرَجَمْنَـٰكَ } لقتلناك . الثاني : لشتمناك وطردناك . النوع الرابع : من الأشياء التي ذكروها قولهم : { وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } ومعناه أنك لما لم تكن علينا عزيزاً سهل علينا الإقدام على قتلك وإيذائك . واعلم أن كل هذه الوجوه التي ذكروها ليست دافعاً لما قرره شعيب عليه السلام من الدلائل والبينات ، بل هي جارية مجرى مقابلة الدليل والحجة بالشتم والسفاهة .