Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 111, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل . المسألة الأولى : لما أخبر تعالى عن حال أبي لهب في الماضي بالتباب وبأنه ما أغنى عنه ماله وكسبه ، أخبر عن حاله في المستقبل بأنه سيصلى ناراً . المسألة الثانية : { سَيَصْلَىٰ } قرىء بفتح الياء وبضمها مخففاً ومشدداً . المسألة الثالثة : هذه الآيات تضمنت الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه أحدها : الإخبار عنه بالتباب والخسار ، وقد كان كذلك وثانيها : الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده ، وقد كان كذلك . روى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام دخل بيتنا ، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمت أنا ، وكان العباس يهاب القوم ويكتم إسلامه ، وكان أبو لهب تخلف عن بدر ، فبعث مكانه العاص بن هشام ، ولم يتخلف رجل منهم إلا بعث مكانه رجلاً آخر ، فلما جاء الخبر عن واقعة أهل بدر وجدنا في أنفسنا قوة ، وكنت رجلاً ضعيفاً وكنت أعمل القداح ألحيها في حجرة زمزم ، فكنت جالساً هناك وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه ، فجلس على طنب الحجرة وكان ظهري إلى ظهره ، فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ، فقال له أبو لهب : كيف الخبر يا ابن أخي ؟ فقال : لقينا القوم ومنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف أرادوا ، وأيم الله مع ذلك تأملت الناس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض ، قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة ، ثم قلت : أولئك والله الملائكة ، فأخذني وضربني على الأرض ، ثم برك علي فضربني وكنت رجلاً ضعيفاً ، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته على رأسه وشجته ، وقالت : تستضعفه إن غاب سيده ، والله نحن مؤمنون منذ أيام كثيرة ، وقد صدق فيما قال : فانصرف ذليلاً ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته ، ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفناه حتى أنتن في بيته ، وكانت قريش تتقي العدسة وعدواها كما يتقي الناس الطاعون ، وقالوا نخشى هذه القرحة ، ثم دفنوه وتركوه ، فهذا معنى قوله : { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وثالثها : الإخبار بأنه من أهل النار ، وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر . المسألة الرابعة : احتج أهل السنة على وقوع تكليف مالا يطاق بأن الله تعالى كلف أبا لهب بالإيمان ، ومن جملة الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه ، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار ، فقد صار مكلفاً بأنه يؤمن بأنه لا يؤمن ، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال . وأجاب الكعبي وأبو الحسين البصري بأنه لو آمن أبو لهب لكان لهذا الخبر خبراً بأنه آمن ، لا بأنه ما آمن ، وأجاب القاضي عنه فقال : متى قيل : لو فعل الله ما أخبر أنه لا يفعله فكيف يكون ؟ فجوابنا : أنه لا يصح الجواب عن ذلك بلا أو نعم . واعلم أن هذين الجوابين في غاية السقوط ، أما الأول : فلأن هذه الآية دالة على أن خبر الله عن عدم إيمانه واقع ، والخبر الصدق عن عدم إيمانه ينافيه وجود الإيمان منافاة ذاتية ممتنعة الزوال فإذا كان كلفه أن يأتي بالإيمان مع وجود هذا الخبر فقد كلفه بالجمع بين المتنافيين . وأما الجواب الثاني : فأرك من الأول لأنا لسنا في طلب أن يذكروا بلسانهم لا أو نعم ، بل صريح العقل شاهد بأن بين كون الخبر عن عدم الإيمان صدقاً ، وبين وجود الإيمان منافاة ذاتية ، فكان التكليف بتحصيل أحد المتضادين حال حصول الآخر تكليفاً بالجمع بين الضدين ، وهذا الإشكال قائم سواء ذكر الخصم بلسانه شيئاً أم بقي ساكتاً .