Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 113, Ayat: 3-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكروا في الغاسق وجوهاً أحدها : أن الغاسق هو اليل إذا عظم ظلامه من قوله : { إلى غسق الليل } [ الإسراء : 78 ] ومنه غسقت العين إذا امتلأت دمعاً وغسقت الجراحة إذا امتلأت دماً ، وهذا قول الفراء وأبي عبيدة ، وأنشد ابن قيس : @ إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا @@ وقال الزجاج الغاسق في اللغة هو البارد ، وسمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار ، ومنه قوله إنه الزمهرير وثالثها : قال قوم : الغاسق والغساق هو السائل من قولهم : غسقت العين تغسق غسقاً إذا سالت بالماء ، وسمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه على الأرض ، أما الوقوب فهو الدخول في شيء آخر بحيث يغيب عن العين ، يقال : وقب يقب وقوباً إذا دخل ، الوقبة النقرة لأنه يدخل فيها الماء ، والإيقاب إدخال الشيء في الوقبة ، هذا ما يتعلق باللغة وللمفسرين في الآية أقوال : أحدها : أن الغاسق إذا وقب هو الليل إذا دخل ، وإنما أمر أن يتعوذ من شر الليل لأن في الليل تخرج السباع من آجامها والهوام من مكانها ، ويهجم السارق والمكابر ويقع الحريق ويقل فيه الغوث ، ولذلك لو شهر معتد سلاحاً على إنسان ليلاً فقتله المشهور عليه لا يلزمه قصاص ، ولو كان نهاراً يلزمه لأنه يوجد فيه الغوث ، وقال قوم : إن في الليل تنتشر الأرواح المؤذية المسماة بالجن والشياطين ، وذلك لأن قوة شعاع الشمس كأنها تقهرهم ، أما في الليل فيحصل لهم نوع استيلاء وثانيها : أن الغاسق إذا وقب هو القمر ، قال ابن قتيبة : الغاسق القمر سمي به لأنه يكسف فيغسق ، أي يذهب ضؤوه ويسود ، و وقوبه دخوله في ذلك الاسوداد ، روى أبو سلمة عن عائشة أنه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وأشار إلى القمر ، وقال : " " استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب " " قال ابن قتيبة : ومعنى قوله : تعوذي بالله من شره إذا وقب أي إذا دخل في الكسوف ، وعندي فيه وجه آخر : وهو أنه صح أن القمر في جرمه غير مستنير بل هو مظلم ، فهذا هو المراد من كونه غاسقاً ، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر الشهر ، والمنجمون يقولون : إنه في آخر الشهر يكون منحوساً قليل القوة لأنه لا يزال ينتقص نوره فبسبب ذلك تزداد نحوسته ، ولذلك فإن السحرة إنما يشتغلون بالسحر المورث للتمريض في هذا الوقت ، وهذا مناسب لسبب نزول السورة فإنها إنما نزلت لأجل أنهم سحروا النبي صلى الله عليه وسلم لأجل التمريض وثالثها : قال ابن زيد : الغاسق إذا وقب يعني الثريا إذا سقطت قال ، وكانت الأسقام تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها ، وعلى هذا تسمى الثريا غاسقاً ، لانصبابه عند وقوعه في المغرب ، ووقوبه دخوله تحت الأرض وغيبوبته عن الأعين ورابعها : قال صاحب الكشاف : يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقوبه ضربه ونقبه ، والوقب والنقب واحد ، واعلم أن هذا التأويل أضعف الوجوه المذكورة وخامسها : الغاسق : { إِذَا وَقَبَ } هو الشمس إذا غابت وإنما سميت غاسقاً لأنها في الفلك تسبح فسمي حركتها وجريانها بالغسق ، ووقوبها غيبتها ودخلولها تحت الأرض .