Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-30)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى عاد إلى وصف أحوال الكفار في هذه الآية فقال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } نزل في أهل مكة حيث أسكنهم الله تعالى حرمه الآمن وجعل عيشهم في السعة وبعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا قدر هذه النعمة ، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنواعاً من الأعمال القبيحة . النوع الأول : قوله : { بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } وفيه وجوه : الأول : يجوز أن يكون بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، لأنه لما وجب عليهم الشكر بسبب تلك النعمة أتوا بالكفر ، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلاً . والثاني : أنهم بدلوا نفس نعمة الله كفراً لأنهم لما كفروا سلب الله تلك النعمة عنهم فبقي الكفر معهم بدلاً من النعمة . الثالث : أنه تعالى أنعم عليهم بالرسول والقرآن فاختاروا الكفر على الإيمان . والنوع الثاني : ما حكى الله تعالى عنهم قوله : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور ، ومنه قوله تعالى : { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } [ الفتح : 12 ] وأراد بدار البوار جهنم بدليل أنه فسرها بجهنم فقال : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } أي المقر وهو مصدر سمي به . النوع الثالث : من أعمالهم القبيحة قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفراً ذكر أنهم بعد أن كفروا بالله جعلوا له أنداداً ، والمراد من هذا الجعل الحكم والاعتقاد والقول ، والمراد في الأنداد الأشباه والشركاء ، وهذا الشريك يحتمل وجوهاً : أحدها : أنهم جعلوا للأصنام حظاً فيما أنعم الله به عليهم نحو قولهم هذا لله وهذا لشركائنا . وثانيها : أنهم شركوا بين الأصنام وبين خالق العالم في العبودية . وثالثها : أنهم كانوا يصرحون بإثبات الشركاء لله وهو قولهم في الحج لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وأبو عمرو { لِيُضِلُّواْ } بفتح الياء من ضل يضل والباقون بضم الياء من أضل غيره يضل . المسألة الثالثة : اللام في قوله : { لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } لام العاقبة لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال ويحتمل أن تكون لام كي ، أي الذين اتخذوا الوثن كي يضلوا غيرهم هذا إذا قرىء بالضم فإنه يحتمل الوجهين ، وإذا قرىء بالنصب فلا يحتمل إلا لام العاقبة لأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم . وتحقيق القول في لام العاقبة أن المقصود من الشيء لا يحصل إلا في آخر المراتب كما قيل أول الفكر آخر العمل . وكل ما حصل في العاقبة كان شبيهاً بالأمر المقصود في هذا المعنى ، والمشابهة أحد الأمور المصححة لحسن المجاز ، فلهذا السبب حسن ذكر اللام في العاقبة ، ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال : { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } والمراد أن حال الكافر في الدنيا كيف كانت ، فإنها بالنسبة إلى ما سيصل إليه من العقاب في الآخرة تمتع ونعيم ، فلهذا المعنى قال : { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } وأيضاً إن هذا الخطاب مع الذين حكى الله عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفراً ، فأولئك كانوا في الدنيا في نعم كثيرة فلا جرم حسن قوله تعالى : { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } وهذا الأمر يسمى أمر التهديد ونظيره قوله تعالى : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] وكقوله : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } [ الزمر : 8 ] .