Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 31-31)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما أمر الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا ، أمر المؤمنين في هذه الآية بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي { لِّعِبَادِىَ } بسكون الياء ، والباقون : بفتح الياء لالتقاء الساكنين فحرك إلى النصب . المسألة الثانية : في قوله : { يُقِيمُواْ } وجهان : الأول : يجوز أن يكون جواباً لأمر محذوف هو المقول تقديره : قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا . الثاني : يجوز أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه لام الأمر ، أي ليقيموا كقولك : قل لزيد ليضرب عمراً وإنما جاز حذف اللام ، لأن قوله : { قُلْ } عوض منه ولو قيل ابتداء يقيموا الصلاة لم يجز . المسألة الثالثة : أن الإنسان بعد الفراغ من الإيمان لا قدرة له على التصرف في شيء إلا في نفسه أو في ماله . أما النفس فيجب شغلها بخدمة المعبود في الصلاة وأما المال فيجب صرفه إلى البذل في طاعة الله تعالى . فهذه الثلاثة هي الطاعات المعتبرة ، وهي الإيمان والصلاة والزكاة وتمام ما يجب أن يقال في هذه الأمور الثلاثة ذكرناه في قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] . المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : الآية تدل على أن الرزق لا يكون حراماً ، لأن الآية دلت على أن الانفاق من الرزق ممدوح ، ولا شيء من الانفاق من الحرام بممدوح فينتج أن الرزق ليس بحرام . وقد مر تقرير هذا الكلام مراراً . المسألة الخامسة : في انتصاب قوله : { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } وجوه : أحدها : أن يكون على الحال أي ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين . وثانيها : على الظرف أي وقت سر وعلانية . وثالثها : على المصدر أي انفاق سر وانفاق علانية والمراد إخفاء التطوع وإعلان الواجب . واعلم أنه تعالى لما أمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قال : { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَـٰلٌ } قال أبو عبيدة : البيع ههنا الفداء والخلال المخالة ، وهو مصدر من خاللت خلالاً ومخالة ، وهي المصادقة . قال مقاتل : إنما هو يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا مخالة ولا قرابة ، فكأنه تعالى يقول : أنفقوا أموالكم في الدنيا حتى تجدوا ثواب ذلك الإنفاق في مثل هذا اليوم الذي لا تحصل فيه مبايعة ولا مخالة . ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة البقرة : { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } [ البقرة : 254 ] . فإن قيل : كيف نفى المخالة في هاتين الآيتين ، مع أنه تعالى أثبتها في قوله : { ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . قلنا : الآية الدالة على نفي المخالة محمولة على نفي المخالة بسبب ميل الطبيعة ورغبة النفس ، والآية الدالة على ثبوت المخالة محمولة على حصول المخالة الحاصلة بسبب عبودية الله تعالى ومحبة الله تعالى ، والله أعلم .