Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 42-43)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه لما بين دلائل التوحيد ثم حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه طلب من الله أن يصونه عن الشرك ، وطلب منه أن يوفقه للأعمال الصالحة وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة ذكر بعد ذلك ما يدل على وجود يوم القيامة ، وما يدل على صفة يوم القيامة ، أما الذي يدل على وجود القيامة فهو قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } فالمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم ، لزم أن يكون إما غافلاً عن ذلك الظالم أو عاجزاً عن الإنتقام ، أو كان راضياً بذلك الظلم ، ولما كانت الغفلة والعجز والرضا بالظلم محالاً على الله امتنع أن لا ينتقم للمظلوم من الظالم . فإن قيل : كيف يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يحسب الله موصوفاً بالغفلة ؟ والجواب من وجوه : الأول : المراد به التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً ، كقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] . { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ } [ القصص : 88 ] وكقوله : { يا أيها الذين آمنوا } . والثاني : أن المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الإنتقام لأجل غفلته عن ذلك الظلم ، ولما كان امتناع هذه الغفلة معلوماً لكل أحد لا جرم كان عدم الانتقام محالاً . والثالث : أن المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير . الرابع : أن يكون هذا الكلام وإن كان خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر ، إلا أنه يكون في الحقيقة خطاباً مع الأمة ، وعن سفيان بن عيينة : أنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ، ثم بين تعالى أنه إنما يؤخر عقاب هؤلاء الظالمين ليوم موصوف بصفات . الصفة الأولى : أنه تشخص فيه الأبصار . يقال : شخص بصر الرجل إذا بقيت عينه مفتوحة لا يطرفها ، وشخوص البصر يدل على الحيرة والدهشة وسقوط القوة . والصفة الثانية : قوله : { مُهْطِعِينَ } وفي تفسير الإهطاع أقوال أربعة : القول الأول : قال أبو عبيدة هو الإسراع . يقال : أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع وعلى هذا الوجه ، فالمعنى : أن الغالب من حال من يبقى بصره شاخصاً من شدة الخوف أن يبقى واقفاً ، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد ، فإنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مهطعين ، أي مسرعين نحو ذلك البلاء . القول الثاني : في الإهطاع قال أحمد بن يحيى : المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع . والقول الثالث : المهطع الساكت . والقول الرابع : قال الليث : يقال للرجل إذا قر وذل أهطع . الصفة الثالثة : قوله : { مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ } والإقناع رفع الرأس والنظر في ذل وخشوع ، فقوله : { مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ } أي رافعي رؤوسهم والمعنى أن المعتاد فيمن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه عنه لكي لا يراه ، فبين تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد وأنهم يرفعون رؤوسهم . الصفة الرابعة : قوله : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } والمراد من هذه الصفة دوام ذلك الشخوص ، فقوله : { تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } لا يفيد كون هذا الشخوص دائماً وقوله : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } يفيد دوام هذا الشخوص ، وذلك يدل على دوام تلك الحيرة والدهشة في قلوبهم . الصفة الخامسة : قوله : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } الهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ثم جعل وصفاً فقيل : قلب فلان هواء إذا كان خالياً لا قوة فيه ، والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر والأفكار لعظم ما ينالهم من الحيرة ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ومن كل سرور ، لكثرة ما فيه من الحزن ، إذا عرفت هذه الصفات الخمسة فقد اختلفوا في وقت حصولها فقيل : إنها عند المحاسبة بدليل أنه تعالى إنما ذكر هذه الصفات عقيب وصف ذلك اليوم بأنه يوم يقوم الحساب ، وقيل : إنها تحصل عندما يتميز فريق عن فريق ، والسعداء يذهبون إلى الجنة ، والأشقياء إلى النار . وقيل : بل يحصل عند إجابة الداعي والقيام من القبور ، والأول أولى للدليل الذي ذكرناه ، والله أعلم .