Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 44-45)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن قوله : { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } فيه أبحاث : البحث الأول : قال صاحب « الكشاف » : { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } مفعول ثان لقوله : { وَأَنذِرِ } وهو يوم القيامة . البحث الثاني : الألف واللام في لفظ { ٱلْعَذَابَ } للمعهود السابق ، يعني : وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب الذي تقدم ذكره وهو شخوص أبصارهم ، وكونهم مهطعين مقنعي رؤوسهم . البحث الثالث : الإنذار هو التخويف بذكر المضار ، والمفسرون مجمعون على أن قوله : { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } هو يوم القيامة ، وحمله أبو مسلم على أنه حال المعاينة ، والظاهر يشهد بخلافه ، لأنه تعالى وصف اليوم بأن عذابهم يأتي فيه وأنهم يسألون الرجعة ، ويقال لهم : { أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ } ولا يليق ذلك إلا بيوم القيامة . وحجة أبي مسلم : أن هذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ } [ المنافقون : 10 ] ثم حكى الله سبحانه ما يقول الكفار في ذلك اليوم ، فقال : { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } واختلفوا في المراد بقوله : { أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } فقال بعضهم : طلبوا الرجعة إلى الدنيا ليتلافوا ما فرطوا فيه ، وقال : بل طلبوا الرجوع إلى حال التكليف بدليل قولهم : نجب دعوتك ونتبع الرسل ، وأما على قول أبي مسلم فتأويل هذه الآية ظاهر فقال تعالى مجيباً لهم : { أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } ومعناه ما ذكره الله تعالى في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] إلى غير ذلك مما كانوا يذكرونه من إنكار المعاد فقرعهم الله تعالى بهذا القول لأن التقريع بهذا الجنس أقوى ، ومعنى : ما لكم من زوال ، لا شبهة في أنهم كانوا يقولون لا زوال لنا من هذه الحياة إلى حياة أخرى ، ومن هذه الدار إلى دار المجازاة ، لا أنهم كانوا ينكرون أن يزولوا عن حياة إلى موت أو عن شباب إلى هرم أو عن فقر إلى غنى ، ثم إنه تعالى زادهم تقريعاً آخر بقوله : { وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } يعني سكنتم في مساكن الذين كفروا قبلكم ، وهم قوم نوح وعاد وثمود ، وظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ، لأن من شاهد هذه الأحوال وجب عليه أن يعتبر ، فإذا لم يعتبر كان مستوجباً للذم والتقريع . ثم قال : { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } وظهر لكم أن عاقبتهم عادت إلى الوبال والخزي والنكال . فإن قيل : ولماذا قيل : { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } ولم يكن القوم يقرون بأنه تعالى أهلكهم لأجل تكذيبهم ؟ قلنا : إنهم علموا أن أولئك المتقدمين كانوا طالبين للدنيا ثم إنهم فنوا وانقرضوا فعند هذا يعلمون أنه لا فائدة في طلب الدنيا ، والواجب الجد والاجتهاد في طلب الدين ، والواجب على من عرف هذا أن يكون خائفاً وجلاً فيكون ذلك زجراً له هذا إذا قرىء بالتاء أما إذا قرىء بالنون فلا شبهة فيه لأن التقدير كأنه تعالى قال : أولم نبين لكم كيف فعلنا بهم ، وليس كل ما بين لهم تبينوه . أما قوله : { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } فالمراد ما أورده الله في القرآن مما يعلم به أنه قادر على الإعادة كما قدر على الإبتداء وقادر على التعذيب المؤجل كما يفعل الهلاك المعجل ، وذلك في كتاب الله كثير ، والله أعلم .