Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 57-60)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : قوله : { فَمَا خَطْبُكُمْ } سؤال عما لأجله أرسلهم الله تعالى ، والخطب والشأن والأمر سواء : إلا أن لفظ الخطب أدل على عظم الحال . فإن قيل : إن الملائكة لما بشروه بالولد الذكر العليم فكيف قال لهم بعد ذلك : { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } . قلنا : فيه وجوه : الأول : قال الأصم : معناه ما الأمر الذي توجهتم له سوى البشرى . الثاني : قال القاضي : إنه علم أنه لو كان كمال المقصود إيصال البشارة لكان الواحد من الملائكة كافياً ، فلما رأى جمعاً من الملائكة علم أن لهم غرضاً آخر سوى إيصال البشارة فلا جرم قال : { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } . الثالث : يمكن أن يقال إنهم قالوا : إنا نبشرك بغلام عليم . في معرض إزالة الخوف والوجل ، ألا ترى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خاف قالوا له : { لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم } [ الحجر : 53 ] ولو كان تمام المقصود من المجيء هو ذكر تلك البشارة لكانوا في أول ما دخلوا عليه ذكروا تلك البشارة ، فلما لم يكن الأمر كذلك علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الطريق أنه ما كان مجيئهم لمجرد هذه البشارة بل كان لغرض آخر فلا جرم سألهم عن ذلك الغرض فقال : { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } . ثم حكى تعالى عن الملائكة أنهم قالوا : { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } وإنما اقتصروا على هذا القدر لعلم إبراهيم عليه السلام بأن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لإهلاكهم واستئصالهم وأيضاً فقولهم : { إِلا ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } يدل على أن المراد بذلك الإرسال إهلاك القوم . أما قوله تعالى : { إِلا ءالَ لُوطٍ } فالمراد من آل لوط أتباعه الذين كانوا على دينه . فإن قيل : قوله : { إِلا ءالَ لُوطٍ } هل هو استثناء منقطع أو متصل ؟ قلنا : قال صاحب « الكشاف » : إن كان هذا الاستثناء استثناء من قوم كان منقطعاً ، لأن القوم موصوفون بكونهم مجرمين وآل لوط ما كانوا مجرمين ، فاختلف الجنسان ، فوجب أن يكون الاستثناء منقطعاً . وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلاً كأنه قيل : إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم كما قال : { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 36 ] ثم قال صاحب « الكشاف » : ويختلف المعنى بحسب اختلاف هذين الوجهين ، وذلك لأن آل لوط يخرجون في المنقطع من حكم الإرسال ، لأن على هذا التقدير الملائكة أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة وما أرسلوا إلى آل لوط أصلاً ، وأما في المتصل فالملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء ، وأما قوله : { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } فاعلم أنه قرأ حمزة والكسائي { منجوهم } خفيفة ، والباقون مشددة وهما لغتان . أما قوله تعالى : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } قال صاحب « الكشاف » : هذا استثناء من الضمير المجرور في قوله : { لَمُنَجُّوهُمْ } وليس ذلك من باب الاستثناء من الاستثناء ، لأن الاستثناء من الإستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه ، كما لو قيل : أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته ، وكما لو قال : المطلق لامرأته أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين إلا واحدة ، وكما إذا قال : المقر لفلان على عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهماً ، فأما في هذه الآية فقد اختلف الحكمان ، لأن قوله : { إِلا ءالَ لُوطٍ } متعلق بقوله : { أَرْسَلْنَا } أو بقوله { مُّجْرِمِينَ } وقوله : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } قد تعلق بقوله : { منجوهم } فكيف يكون هذا استثناء من استثناء . وأما قوله : { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن معنى التقدير في اللغة : جعل الشيء على مقدار غيره . يقال : قدر هذا الشيء بهذا أي اجعله على مقداره ، وقدر الله تعالى الأقوات أي جعلها على مقدار الكفاية ، ثم يفسر التقدير بالقضاء ، فقال : قضى الله عليه كذا ، وقدره عليه أي جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر ، وقيل في معنى : { قَدَّرْنَآ } كتبنا . قال الزجاج : دبرنا . وقيل : قضينا ، والكل متقارب . المسألة الثانية : قرأ أبو بكر عن عاصم { قَدَّرْنَآ } بتخفيف الدال ههنا وفي النمل . وقرى الباقون فيهما بالتشديد . قال الواحدي يقال : قدرت الشيء وقدرته ، ومنه قراءة ابن كثير : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } [ الواقعة : 60 ] خفيفاً ، وقراءة الكسائي : { وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ } ثم قال : والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالاً لقوله تعالى { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } [ فصلت : 10 ] وقوله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] . المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله تعالى ، ولم لم يقولوا : قدر الله تعالى ؟ والجواب : إنما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله تعالى كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا وأمرنا بكذا والمدبر والآمر هو الملك لا هم ، وإنما يريدون بذكر هذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك ، فكذا ههنا . والله أعلم . المسألة الرابعة : قوله { إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } في موضع مفعول التقدير قضينا أنها تتخلف وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون . ولا تكون ممن يبقى مع لوط فتصل إلى النجاة والله أعلم .