Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 116-117)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما حصر المحرمات في تلك الأربع بالغ في تأكيد ذلك الحصر وزيف طريقة الكفار في الزيادة على هذه الأربع ، وفي النقصان عنها أخرى ، فإنهم كانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وكانوا يقولون ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، فقد زادوا في المحرمات وزادوا أيضاً في المحللات وذلك لأنهم حللوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله تعالى ، فالله تعالى بين أن المحرمات هي هذه الأربعة ، وبين أن الأشياء التي يقولون إن هذا حلال وهذا حرام كذب وافتراء على الله ، ثم ذكر الوعيد الشديد على هذا الكذب ، وأقول : إنه تعالى لما بين هذا الحصر في هذه السور الأربع ، ثم ذكر في هذه الآية أن الزيادة عليها والنقصان عنها كذب وافتراء على الله تعالى وموجب للوعيد الشديد علمنا أنه لا مزيد على هذا الحصر ، والله أعلم . المسألة الثانية : في انتصاب الكذب في قوله : { لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } وجهان . الأول : قال الكسائي والزجاج : ما مصدرية ، والتقدير : ولا تقولوا : لأجل وصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام نظيره أن يقال : لا تقولوا : لكذا كذا وكذا . فإن قالوا : حمل الآية عليه يؤدي إلى التكرار ، لأن قوله تعالى : { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } عين ذلك . والجواب : أن قوله : { لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } ليس فيه بيان كذب على الله تعالى فأعاد قوله : { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } ليحصل فيه هذا البيان الزائد ونظائره في القرآن كثيرة . وهو أنه تعالى يذكر كلاماً ثم يعيده بعينه مع فائدة زائدة . الثاني : أن تكون ما موصولة ، والتقدير ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام ، وحذف لفظ فيه لكونه معلوماً . المسألة الثالثة : قوله تعال : { تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } من فصيح الكلام وبليغه كأن ماهية الكذب وحقيقته مجهولة وكلامهم الكذب يكشف حقيقة الكذب ويوضح ماهيته ، وهذا مبالغ في وصف كلامهم بكونه كذباً ، ونظيره قول أبـي العلاء المعري : @ سرى برق المعرة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا @@ والمعنى : أن سرى ذلك البرق يصف الكلال فكذا ههنا ، والله أعلم . ثم قال تعالى : { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } المعنى : أنهم كانوا ينسبون ذلك التحريم والتحليل إلى الله تعالى ويقولون : إنه أمرنا بذلك . وأظن أن هذا اللام ليس لام الغرض ، لأن ذلك الافتراء ما كان غرضاً لهم بل كان لام العاقبة كقوله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] قال الواحدي : وقوله : { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } بدل من قوله : { لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } لأن وصفهم الكذب هو افتراء على الله تعالى ، ففسر وصفهم الكذب بالافتراء على الله تعالى ، ثم أوعد المفترين ، وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } ثم بيّن أن ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عنهم عن قريب ، فقال : { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } قال الزجاج : المعنى متاعهم متاع قليل ، وقال ابن عباس : بل متاع كل الدنيا متاع قليل ، ثم يردون إلى عذاب أليم ، وهو قوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .