Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 9-10)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما شرح ما فعله في حق عباده المخلصين وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيتاء الكتاب لموسى عليه الصلاة والسلام ، وما فعله في حق العصاة والمتمردين وهو تسليط أنواع البلاء عليهم ، كان ذلك تنبيهاً على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة ، لا جرم أثنى على القرآن فقال : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } . واعلم أن قوله تعالى : { دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } [ الأنعام : 161 ] يدل على كون هذا الدين مستقيماً ، وقوله في هذه الآية : { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } يدل على أن هذا الدين أقوم من سائر الأديان . وأقول : قولنا هذا الشيء أقوم من ذاك ، إنما يصح في شيئين يشتركان في معنى الاستقامة ، ثم كان حصول معنى الاستقامة في إحدى الصورتين أكثر وأكمل من حصوله في الصورة الثانية ، وهذا محال لأن المراد من كونه مستقيماً كونه حقاً وصدقاً ، ودخول التفاوت في كون الشيء حقاً وصدقاً محال ، فكان وصفه بأنه أقوم مجازاً ، إلا أن لفظ الأفعل قد جاء بمعنى الفاعل كقولنا : الله أكبر أي الله كبير ، وقولنا : الأشج والناقص أعدلا بني مروان ، أي : عادلاً بني مروان ، أو يحمل هذا اللفظ على الظاهر المتعارف ، والله أعلم . البحث الثاني : قوله : { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } نعت لموصوف محذوف ، والتقدير : يهدي للملة أو الشريعة أو الطريقة التي هي أقوم الملل والشرائع والطرق ، ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن كقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ فصلت : 34 ] أي بالخصلة التي هي أحسن . أما قوله : { وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } فاعلم أنه تعالى وصف القرآن بثلاثة أنواع من الصفات : الصفة الأولى : أنه يهدي للتي هي أقوم ، وقد مر تفسيره . والصفة الثانية : أنه يبشر الذين يعملون الصالحات بالأجر الكبير ، وذلك لأن الصفة الأولى لما دلت على كون القرآن هادياً إلى الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح ، وجب أن يظهر لهذا الصواب والصلاح أثر ، وذلك هو الأجر الكبير لأن الطريق الأقوم لا بد وأن يفيد الربح الأكبر والنفع الأعظم . والصفة الثالثة : قوله : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وذلك لأن الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح ، كما يوجب لفاعله النفع الأكمل الأعظم ، فكذلك تركه يوجب لتاركه الضرر الأعظم الأكمل . واعلم أن قوله : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } عطف على قوله : { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } والمعنى أنه تعالى بشر المؤمنين بنوعين من البشارة بثوابهم وبعقاب أعدائهم ، ونظيره قوله : بشرت زيداً أنه سيعطى وبأن عدوه سيمنع . فإن قيل : كيف يليق لفظ البشارة بالعذاب ؟ قلنا : مذكور على سبيل التهكم ، أو يقال : إنه من باب إطلاق اسم الضدين على الآخر ، كقوله : { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . فإن قيل : هذه الآية واردة في شرح أحوال اليهود وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة ، فكيف يليق بهذا الموضع قوله : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } . قلنا عنه جوابان : أحدهما : أن أكثر اليهود ينكرون الثواب والعقاب الجسمانيين ، والثاني : أن بعضهم قال : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } [ آل عمران : 24 ] فهم في هذا القول صاروا كالمنكرين للآخرة ، والله أعلم .