Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-66)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما دل على قدرته من قبل بما ذكره من ولوج الليل في النهار ونبه به على نعمه ، أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته وهي ستة . أولها : قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكروا في قوله : { أَلَمْ تَرَ } وجوهاً ثلاثة : أحدها : أن المراد هو الرؤية الحقيقية ، قالوا لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين واخضرار النبات على الأرض مرئي ، وإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته فهو أولى وثانيها : أن المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام وثالثها : المراد ألم تعلم والقول الأول ضعيف لأن الماء وإن كان مرئياً إلا أن كون الله منزلاً له من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم ، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم ، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل . المسألة الثانية : قرىء { مُخْضَرَّةً } كمبقلة ومسبعة أي ذات خضرة ، وههنا سؤالات : السؤال الأول : لم قال : { فَتُصْبِحُ الأرض } ولم يقل فأصبحت ؟ الجواب : لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان ، كما تقول أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغد شاكراً له ، ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع . السؤال الثاني : لم رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام ؟ والجواب : لو نصب لأعطى عكس ما هو الغرض ، لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر . وإن نصبته فأنت ناف لشكره شاك لتفريطه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر . السؤال الثالث : لم أورد تعالى ذلك دلالة على قدرته على الإعادة ، كما قال أبو مسلم . الجواب : يحتمل ذلك ويحتمل أنه نبه به على عظيم قدرته وواسع نعمه . السؤال الرابع : ما تعلق قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } بما تُقدم ؟ الجواب : من وجوه أحدها : أراد أنه رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به ، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة والسماء إذا أمطرت كان ذلك سبباً لعيش الحيوانات على اختلافها أجمع . ومعنى { خَبِيرٌ } أنه عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك من دون زيادة ونقصان وثانيها : قال ابن عباس { لَطِيفٌ } بأرزاق عباده { خَبِيرٌ } بما في قلوبهم من القنوط وثالثها : قال الكلبي { لَطِيفٌ } في أفعاله { خَبِيرٌ } بأعمال خلقه ورابعها : قال مقاتل : { لَطِيفٌ } باستخراج النبت { خَبِيرٌ } بكيفية خلقه . الدلالة الثانية : قوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } والمعنى أن كل ذلك منقاد له غير ممتنع من التصرف فيه وهو غني عن الأشياء كلها وعن حمد الحامدين أيضاً لأنه كامل لذاته ، والكامل لذاته غني عن كل ما عداه في كل الأمور ، ولكنه لما خلق الحيوان فلا بد في الحكمة من قطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعاماً عليهم ، لا لحاجة به إلى ذلك . وإذا كان كذلك كان إنعامه خالياً عن غرض عائد إليه فكان مستحقاً للحمد . فكأنه قال إنه لكونه غنياً لم يفعل ما فعله إلا للإحسان ، ومن كان كذلك كان مستحقاً للحمد فوجب أن يكون حميداً . فلهذا قال : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } . الدلالة الثالثة : قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ } أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار ، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضاً حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها ، فلولا أن سخر الله تعالى الإبل والبقر مع قوتهما حتى يذللهما الضعيف من الناس ويتمكن منهما لما كان ذلك نعمة . الدلالة الرابعة : قوله تعالى : { وَٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } والأقرب أن المراد وسخر لكم الفلك لتجري في البحر ، وكيفية تسخيره الفلك هو من حيث سخر الماء والرياح لجريها ، فلولا صفتهما على ما هما عليه لما جرت بل كانت تغوص أو تقف أو تعطب . فنبه تعالى على نعمه بذلك ، وبأن خلق ما تعمل منه السفن ، وبأن بين كيف تعمل ، وإنما قال بأمره لأنه سبحانه لما كان المجري لها بالرياح نسب ذلك إلى أمره توسعاً ، لأن ذلك يفيد تعظيمه بأكثر مما يفيد لو أضافه إلى فعل بناء على عادة الملوك في مثل هذه اللفظة . الدلالة الخامسة : قوله تعالى : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } واعلم أن النعم المتقدمة لا تكمل إلا بهذه لأن السماء مسكن الملائكة فوجب أن يكون صلباً . ووجب أن يكون ثقيلاً ، وما كان كذلك فلا بد من الهوى لولا مانع يمنع منه ، وهذه الحجة مبنية على ظاهر الأوهام ، وقوله تعالى : { أَن تَقَعَ } قال الكوفيون : كي لا تقع ، وقال البصريون كراهية أن تقع ، وهذا بناء على مسألة كلامية وهي أن الإرادات والكراهات هل تتعلق بالعدم ؟ فمن منع من ذلك صار إلى التأويل الأول ، والمعنى أنه أمسكها لكي لا تقع فتبطل النعم التي أنعم بها . أما قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } فالمعنى أن المنعم بهذه النعم الجامعة لمنافع الدنيا والدين قد بلغ الغاية في الإحسان والإنعام ، فهو إذن رؤوف رحيم . الدلالة السادسة : قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِى أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَـٰنَ لَكَفُورٌ } والمعنى أن من سخر له هذه الأمور ، وأنعم عليه بها فهو الذي أحياه فنبه بالإحياء الأول على إنعام الدنيا علينا بكل ما تقدم . ونبه بالإماتة والإحياء الثاني على نعم الدين علينا ، فإنه سبحانه وتعالى خلق الدنيا بسائر أحوالها للآخرة وإلا لم يكن للنعم على هذا الوجه معنى . يبين ذلك أنه لولا أمر الآخرة لم يكن للزراعات وتكلفها ولا لركوب الحيوانات وذبحها إلى غير ذلك معنى ، بل كان تعالى يخلقه ابتداء من غير تكلف الزرع والسقي ، وإنما أجرى الله العادة بذلك ليعتبر به في باب الدين ولما فصل تعالى هذه النعم قال : { إِنَّ ٱلإِنْسَـٰنَ لَكَفُورٌ } وهذا كما قد يعدد المرء نعمه على ولده ، ثم يقول إن الولد لكفور لنعم الوالد زجراً له عن الكفران وبعثاً له على الشكر ، فلذلك أورد تعالى ذلك في الكفار ، فبين أنهم دفعوا هذه النعم وكفروا بها وجهلوا خالقها مع وضوح أمرها ونظيره قوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] وقال ابن عباس رضي الله عنهما الإنسان ههنا هو الكافر ، وقال أيضاً هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل والعاص وأبي بن خلف ، والأولى تعميمه في كل المنكرين .