Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 67-69)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إعلم أنه تعالى لما قدم ذكر نعمه وبين أنه رؤوف رحيم بعباده وإن كان منهم من يكفر ولا يشكر ، أتبعه بذكر نعمه بما كلف فقال : { لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : إنما حذف الواو في قوله : { لِكُلّ أُمَّةٍ } لأنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله فلا جرم حذف العاطف . المسألة الثانية : في المنسك أقوال : أحدها : قال ابن عباس عيداً يذبحون فيه وثانيها : قرباناً ولفظ المنسك مختص بالذبائح عن مجاهد وثالثها : مألفاً يألفونه إما مكاناً معيناً أو زماناً معيناً لأداء الطاعات ورابعها : المنسك هو الشريعة والمنهاج وهو قول ابن عباس في رواية عطاء واختيار القفال وهو الأقرب لقوله تعالى : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] ولأن المنسك مأخوذ من النسك وهو العبادة ، وإذا وقع الإسم على كل عبادة فلا وجه للتخصيص . فإن قيل هلا حملتموه على الذبح ، لأن المنسك في العرف لا يفهم منه إلا الذبح ؟ وهلا حملتموه على موضع العبادة أو على وقتها ؟ الجواب : عن الأول لا نسلم أن المنسك في العرف مخصوص بالذبح ، والدليل عليه أن سائر ما يفعل في الحج يوصف بأنه مناسك ولأجله قال عليه السلام : " " خذوا عني مناسككم " " وعن الثاني : أن قوله : { هُمْ نَاسِكُوهُ } أليق بالعبادة منه بالوقت والمكان . المسألة الثالثة : زعم قوم أن المراد من قوله : { هُمْ نَاسِكُوهُ } من كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم متمسكاً بشرع كاليهود والنصارى ، ولا يمتنع أن يريد كل من تعبد من الأمم سواء بقيت آثارهم أو لم تبق ، لأن قوله : { هُمْ نَاسِكُوهُ } كالوصف للأمم وإن لم يعبدوا في الحال . أما قوله تعالى : { فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ فِى ٱلأَمْرِ } فقرىء { فَلاَ ينزعنك } أي أثبت في دينك ثباتاً لا يطمعون أن يخدعوك ليزيلوك عنه . وأما قوله : { فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ } ففيه قولان : أحدهما : وهو قول الزجاج : أنه نهى لهم عن منازعتهم ، كما تقول لا يضاربنك فلان أي لا تضاربه والثاني : أن المراد أن عليهم اتباعك وترك مخالفتك ، وقد استقر الأمر الآن على شرعك وعلى أنه ناسخ لكل ما عداه . فكأنه تعالى نهى كل أمة بقيت منها بقية أن تستمر على تلك العادة ، وألزمها أن تتحول إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فلذلك قال : { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبّكَ } أي لا تخص بالدعاء أمة دون أمة فكلهم أمتك فادعهم إلى شريعتك فإنك على هدى مستقيم ، والهدى يحتمل نفس الدين ويحتمل أدلة الدين وهو أولى . كأنه قال ادعهم إلى هذا الدين فإنك من حيث الدلالة على طريقة واضحة ولهذا قال : { وَإِن جَـٰدَلُوكَ } والمعنى فإن عدلوا عن النظر في هذه الأدلة إلى طريقة المراء والتمسك بالعادة فقد بينت وأظهرت ما يلزمك { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } لأنه ليس بعد إيضاح الأدلة إلا هذا الجنس الذي يجري مجرى الوعيد والتحذير من حكم يوم القيامة الذي يتردد بين جنة وثواب لمن قبل ، وبين نار وعقاب لمن رد وأنكر . فقال : { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فتعرفون حينئذ الحق من الباطل ، والله أعلم .