Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 17-18)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النوع السادس وهذا من باب الزواجر ، والمعنى يعظكم الله بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب وأن فيه الحد والنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبداً وأبدهم ما داموا أحياء مكلفين ، وقد دخل تحت ذلك من قال ومن سمع فلم ينكر ، لأن حالهما سواء في أن فعلا ما لا يجوز وإن كان من أقدم عليه أعظم ذنباً ، فبين أن الغرض بما عرفهم من هذه الطريقة أن لا يعودوا إلى مثل ما تقدم منهم وههنا مسائل : المسألة الأولى : استدلت المعتزلة بقوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } على أن ترك القذف من الإيمان وعلى أن فعل القذف لا يبقى معه الإيمان ، لأن المعلق على الشرط عدم عند عدم الشرط والجواب : هذا معارض بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ } [ النور : 11 ] أي منكم أيها المؤمنون فدل ذلك على أن القذف لا يوجب الخروج عن الإيمان وإذا ثبت التعارض حملنا هذه الآية على التهييج في الإتعاظ والانزجار . المسألة الثانية : قالت المعتزلة دلت هذه الآية على أنه تعالى أراد من جميع من وعظه مجانبه مثل ذلك في المستقبل وإن كان فيهم من لا يطيع ، فمن هذا الوجه تدل على أنه تعالى يريد من كلهم الطاعة وإن عصوا ، لأن قوله : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ } معناه لكي لا تعودوا لمثله وذلك دلالة الإرادة والجواب : عنه قد تقدم مراراً . المسألة الثالثة : هل يجوز أن يسمى الله تعالى واعظاً لقوله : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ } ؟ الأظهر أنه لا يجوز كما لا يجوز أن يسمى معلماً لقوله : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } [ الرحمن : 1 ، 2 ] . أما قوله تعالى : { وَيُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به ، ثم بين أنه لكونه عليماً حكيماً يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك ، لأن من لا يكون عالماً لا يجب قبول تكليفه ، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي ، ولأن المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما من كان عالماً لكنه لا يكون حكيماً فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما إذا كان عليماً حكيماً فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين ، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر ، وههنا سؤالات : الأول : الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي ، وإنما يكون كذلك لو كان عالماً بقبح القبيح وعالماً بكونه غنياً عنه فيكون العليم داخلاً في الحكيم ، فكان ذكر الحكيم مغنياً عنه . هذا على قول المعتزلة ، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط ، فذكر العليم الحكيم يكون تكراراً محضاً الجواب : يحمل ذلك على التأكيد . السؤال الثاني : قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالماً حكيماً ، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقاً للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده والجواب : الحكم عندنا هو العليم ، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالماً بكل المعلومات ، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله ألبتة . السؤال الثالث : قالت المعتزلة قوله : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي لأجلكم ، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض ، ولأن قوله : { لَكُمُ } لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم ، فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل والجواب : المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضاً .