Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 38-40)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن في قوله تعالى : { قَالَ يَـا أَيُّهَا ٱلْمَلأَ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا } دلالة على أنها عزمت على اللحوق بسليمان ، ودلالة على أن أمر ذلك العرش كان مشهوراً ، فأحب أن يحصل عنده قبل حضورها ، واختلفوا في غرض سليمان عليه السلام من إحضار ذلك العرض على وجوه : أحدها : أن المراد أن يكون ذلك دلالة لبلقيس على قدرة الله تعالى وعلى نبوة سليمان عليه السلام ، حتى تنضم هذه الدلالة إلى سائر الدلائل التي سلفت وثانيها : أراد أن يؤتى بذلك العرش فيغير وينكر ، ثم يعرض عليها حتى أنها هل تعرفه أو تنكره ، والمقصود اختبار عقلها ، وقوله تعالى : { قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى } [ النمل : 41 ] كالدلالة على ذلك وثالثها : قال قتادة : أراد أن يأخذه قبل إسلامها ، لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها ورابعها : أن العرش سرير المملكة ، فأراد أن يعرف مقدار مملكتها قبل وصولها إليه . أما قوله : { قَالَ عِفْرِيتٌ مّن ٱلْجِنّ } فالعفريت من الرجال الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه ، ومن الشياطين الخبيث المارد . أما قوله : { قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } فالمعنى من مجلسك ، ولا بد فيه من عادة معلومة حتى يصح أن يؤقت ، فقيل المراد مجلس الحكم بين الناس ، وقيل الوقت الذي يخطب فيه الناس ، وقيل إلى انتصاف النهار . وأما قوله : { لَقَوِىٌّ } أي على حمله { أَمِينٌ } آتي به كما هو لا أختزل منه شيئاً . أما قوله : { قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } ففيه بحثان : الأول : اختلفوا في ذلك الشخص على قولين : قيل كان من الملائكة ، وقيل كان من الإنس ، فمن قال بالأول اختلفوا ، قيل هو جبريل عليه السلام ، وقيل هو ملك أيد الله تعالى به سليمان عليه السلام ، ومن قال بالثاني اختلفوا على وجوه : أحدها : قول ابن مسعود : إنه الخضر عليه السلام وثانيها : وهو المشهور من قول ابن عباس : إنه آصف بن برخيا وزير سليمان ، وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم إذا دعا به أجيب وثالثها : قول قتادة : رجل من الإنس كان يعلم اسم الله الأعظم ورابعها : قول ابن زيد : كان رجلاً صالحاً في جزيرة في البحر ، خرج ذلك اليوم ينظر إلى سليمان وخامسها : بل هو سليمان نفسه والمخاطب هو العفريت الذي كلمه ، وأراد سليمان عليه السلام إظهار معجزة فتحداهم أولاً ، ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت ، وهذا القول أقرب لوجوه : أحدها : أن لفظة الذي موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفه بقصة معلومة والشخص المعروف بأنه عنده علم الكتاب هو سليمان عليه السلام ، فوجب انصرافه إليه ، أقصى ما في الباب أن يقال ، كان آصف كذلك أيضاً لكنا نقول إن سليمان عليه السلام ، كان أعرف بالكتاب منه لأنه هو النبي ، فكان صرف هذا اللفظ إلى سليمان عليه السلام أولى الثاني : أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية ، فلو حصلت لآصف دون سليمان لاقتضى ذلك تفضيل آصف على سليمان عليه السلام ، وأنه غير جائز الثالث : أن سليمان عليه السلام ، لو افتقر في ذلك إلى آصف لاقتضى ذلك قصور حال سليمان في أعين الخلق الرابع : أن سليمان قال : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى أَءشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } وظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان . البحث الثاني : اختلفوا في الكتاب ، فقيل اللوم المحفوظ ، والذي عنده علم منه جبريل عليه السلام . وقيل كتاب سليمان ، أو كتاب بعض الأنبياء ، ومعلوم في الجملة أن ذلك مدح ، وأن لهذا الوصف تأثيراً في نقل ذلك العرش ، فلذلك قالوا إنه الاسم الأعظم وإن عنده وقعت الإجابة من الله تعالى في أسرع الأوقات . أما قوله تعالى : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } ففيه بحثان : الأول : آتيك في الموضعين ، يجوز أن يكون فعلاً واسم فاعل . الثاني : اختلفوا في قوله : { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } على وجهين : الأول : أنه أراد المبالغة في السرعة ، كما تقول لصاحبك افعل ذلك في لحظة ، وهذا قول مجاهد الثاني : أن نجريه على ظاهره ، والطرف تحريك الأجفان عند النظر ، فإذا فتحت الجفن فقد يتوهم أن نور العين امتد إلى المرئي ، وإذا أغمضت الجفن فقد يتوهم أن ذلك النور ارتد إلى العين ، فهذا هو المراد من ارتداد الطرف وههنا سؤال : وهو أنه كيف يجوز والمسافة بعيدة أن ينقل العرش في هذا القدر من الزمان ، وهذا يقتضي إما القول بالطفرة أو حصول الجسم الواحد دفعة واحدة في مكانين جوابه : أن المهندسين قالوا كرة الشمس مثل كرة الأرض مائة وأربعة وستين مرة ، ثم إن زمان طلوعها زمان قصير فإذا قسمنا زمان طلوع تمام القرص على زمان القدر الذي بين الشام واليمن كانت اللمحة كثيرة فلما ثبت عقلاً إمكان وجود هذه الحركة السريعة ، وثبت أنه تعالى قادر على كل الممكنات زال السؤال ، ثم إنه عليه السلام لما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر والكلام في تفسير الابتلاء قد مر غير مرة ، ثم إنه عليه السلام بين أن نفع الشكر عائد إلى الشاكر لا إلى الله تعالى ، أما أنه عائد إلى الشاكر فلوجوه : أحدها : أنه يخرج عن عهدة ما وجب عليه من الشكر وثانيها : أنه يستمد به المزيد على ما قال : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبرهيم : 7 ] ، وثالثها : أن المشتغل بالشكر مشتغل باللذات الحسية وفرق ما بينهما كفرق ما بين المنعم والنعمة في الشرف ، ثم قال : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ } غني عن شكره لا يضره كفرانه ، كريم لا يقطع عنه نعمه بسبب إعراضه عن الشكر .