Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 41-43)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله : { نَكّرُواْ } معناه اجعلوا العرش منكراً مغيراً عن شكله كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه ، وذلك لأنه لو ترك على ما كان لعرفته لا محالة ، وكان لا تدل معرفتها به على ثبات عقلها وإذا غير دلت معرفتها أو توقفها فيه على فضل عقل ، ولا يمتنع صحة ما قيل إن سليمان عليه السلام ألقى إليه أن فيها نقصان عقل لكي لا يتزوجها أو لا تحظى عنده على وجه الحسد ، فأراد بما ذكرنا اختبار عقلها . أما قوله : { نَنظُرْ } فقرىء بالجزم على الجواب وبالرفع على الاستئناف ، واختلفوا في { أَتَهْتَدِى } على وجهين : أحدهما : أتعرف أنه عرشها أم لا ؟ كما قدمنا الثاني : أتعرف به نبوة سليمان أم لا ولذلك قال : { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } وذلك كالذم ولا يليق إلا بطريقة الدلالة ، فكأنه عليه السلام أحب أن تنظر فتعرف به نبوته من حيث صار متنقلاً من المكان البعيد إلى هناك ، وذلك يدل على قدرة الله تعالى وعلى صدق سليمان عليه السلام ، ويعرف بذلك أيضاً فضل عقلها لأغراض كانت له ، فعند ذلك سألها . أما قوله : { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } فاعلم أن هكذا ثلاث كلمات ، حرف التنبيه وكاف التشبيه واسم الإشارة ، ولم يقل أهذا عرشك ، ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقيناً فقالت : { كَأَنَّهُ هُوَ } ولم تقل هو هو ولا ليس به وذلك من كمال عقلها حيث توقفت في محل التوقف . أما قوله : { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا } ففيه سؤالان ، وهو أن هذا الكلام كلام من ؟ وأيضاً فعلى أي شيء عطف هذا الكلام ؟ وعنه جوابان : الأول : أنه كلام سليمان وقومه ، وذلك لأن بلقيس لما سئلت عن عرشها ، ثم إنها أجابت بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } فالظاهر أن سليمان وقومه قالوا إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام ، ثم عطفوا على ذلك قولهم وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته قبل علمها ويكون غرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزية التقدم في الإسلام الثاني : أنه من كلام بلقيس موصولاً بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } والمعنى : وأوتينا العلم بالله وبصحة نبوة سليمان قبل هذه المعجزة أو قبل هذه الحالة ، ثم أن قوله : { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } إلى آخر الآية يكون من كلام رب العزة . أما قوله تعالى : { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ففيه وجهان : الأول : المراد : وصدها عبادتها لغير الله عن الإيمان الثاني : وصدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل ، وقرىء أنها بالفتح على أنه بدل من فاعل صد وبمعنى لأنها ، واحتجت المعتزلة بهذه الآية فقالوا لو كان تعالى خلق الكفر فيها لم يكن الصاد لها كفرها المتقدم ولا كونها من جملة الكفار ، بل كان يكون الصاد لها عن الإيمان تجدد خلق الله الكفر فيها والجواب : أما على التأويل الثاني فلا شك في سقوط الاستدلال ، وأما على الأول فجوابنا أن كونها من جملة الكفار صار سبباً لحصول الداعية المستلزمة للكفر ، وحينئذ يبقى ظاهر الآية موافقاً لقولنا ، والله أعلم .