Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 67-75)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه سبحانه لما تكلم في حال المبدأ تكلم بعده في حال المعاد ، وذلك لأن الشك في المعاد لا ينشأ إلا من الشك في كمال القدرة ، أو في كمال العلم فإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كل الممكنات ، وعالماً بكل المعلومات ، ثبت أنه تعالى يمكنه تمييز أجزاء بدن كل واحد من المكلفين عن أجزاء بدن غيره ، وثبت أنه قادر على أن يعيد التركيب والحياة إليها وإذا ثبت إمكان ذلك ثبت صحة القول بالحشر فلما بين الله تعالى هذين الأصلين فيما قبل هذه الآية ، لا جرم لم يحكه في هذه الآية ، فحكى عنهم أنهم تعجبوا من إخراجهم أحياء وقد صاروا تراباً وطعنوا فيه من وجهين : الأول : قولهم : { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا } أي هذا كلام كما قيل لنا فقد قيل لمن قبلنا ، ولم يظهر له أثر فهو إذن من أساطير الأولين يريدون ما لا يصح من الأخبار ، فإن قيل ذكر ههنا { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا } وفي آية أخرى : { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هَـٰذَا } [ المؤمنون : 83 ] فما الفرق ؟ قلنا التقديم دليل على أن المقدم هو المقصود الأصلي وأن الكلام سيق لأجله ، ثم إنه سبحانه لما كان قد بين الدلالة على هذين الأصلين ، ومن الظاهر أن كل من أحاط بهما فقد عرف صحة الحشر والنشر ثبت أنهم أعرضوا عنها ولم يتأملوها ، وكان سبب ذلك الإعراض حب الدنيا وحب الرياسة والجاه وعدم الانقياد للغير ، لا جرم اقتصر على بيان أن الدنيا فانية زائلة فقال : { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } وفيه سؤالان : السؤال الأول : لم لم يقل : كيف كانت عاقبة المجرمين ؟ جوابه : لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم . السؤال الثاني : لم لم يقل عاقبة الكافرين ؟ جوابه : الغرض أن يحصل التخويف لكل العصاة ثم إنه تعالى صبر رسوله على ما يناله من هؤلاء الكفار فقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } فجمع بين إزالة الغم عنه بكفرهم وبين إزالة الخوف من جانبهم ، وصار ذلك كالتكفل بنصرته عليهم وقوله : { وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ } أي في حرج قلب يقال ضاق الشيء ضيقاً وضيقاً بالفتح والكسر والضيق تخفيف الضيق ، ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم الوجه الثاني : للكفار قولهم : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } وقوله : { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } دل على أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } وهو عذاب يوم بدر ، فزيدت اللام للتأكيد كالباء في { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [ البقرة : 195 ] أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم ، ومعناه تبعكم ولحقكم ، وقرأ الأعرج { رَدِفَ لَكُم } بوزن ذهب وهما لغتان ، والكسر أفصح ، وههنا بحثان : البحث الأول : أن عسى ولعل في وعد الملوك ووعيدهم يدلان على صدق الأمر ، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم ، وأنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم ، فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده . الثاني : أنه قد ثبت بالدلائل العقلية أن عذاب الحجاب أشد من عذاب النار ، ولذلك قال : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } [ المطففين : 15 ، 16 ] فقدم الحجاب على الجحيم ، ثم إنهم كانوا محجوبين في الحال ، فكان سبب العذاب بكماله حاصلاً ، إلا أن الاشتغال بالدنيا ولذاتها كالعائق عن إدراك ذلك الألم ، كما أن العضو الخدر إذا مسته النار ، فإن سبب الألم حاصل في الحال ، لكنه لا يحصل الشعور بذلك الألم لقيام العائق ، فإذا زال العائق عظم البلاء ، فكذا ههنا إذا زال البدن عظم عذاب الحجاب ، فقوله سبحانه : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } يعني المقتضي له والمؤثر فيه حاصل ، وتمامه إنما يحصل بعد الموت ، ثم إنه سبحانه بين السبب في ترك تعجيل العذاب فقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } والفضل الإفضال ومعناه أنه متفضل عليهم بتأخير العقوبة ، وأكثرهم لا يعرفون هذه النعمة ولا يشكرونها ، وهذه الآية تبطل قول من قال إنه لا نعمة لله على الكفار ثم بين سبحانه أنه مطلع على ما في قلوبهم فقال : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } وههنا بحث عقلي ، وهو أنه قدم ما تكنه صدورهم على ما يعلنون من العلم والسبب أن ما تكنه صدورهم هو الدواعي والقصود ، وهي أسباب لما يعلنون ، وهي أفعال الجوارح ، والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول ، فهذا هو السبب في ذلك التقديم ، قرىء تكن يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته ، يعني أنه تعالى يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول ومكايدهم . أما قوله : { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ } فقال صاحب « الكشاف » : سمى الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية ، فكانت التاء فيها بمنزلتها في العاقبة والعافية والنطيحة والذبيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات ، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالراوية في قولهم : ويل للشاعر من راوية السوء ، كأنه تعالى قال : وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء ، إلا وقد علمه الله تعالى وأحاط به ، وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة .