Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 76-81)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه سبحانه لما تمم الكلام في إثبات المبدإ والمعاد ، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة ، ولما كانت العمدة الكبرى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن ، لا جرم بين الله تعالى أولاً كونه معجزة من وجوه : أحدها : أن الأقاصيص المذكورة في القرآن موافقة لما كانت مذكورة في التوراة والإنجيل مع العلم بأنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، وأنه لم يخالط أحداً من العلماء ولم يشتغل قط بالاستفادة والتعلم ، فإذن لا يكون ذلك إلا من قبل الله تعالى ، واختلفوا فقال بعضهم أراد به ما اختلفوا فيه وتباينوا ، وقال آخرون أراد به ما حرفه بعضهم ، وقال بعضهم بل أراد به أخبار الأنبياء ، والأول أقرب وثانيها : قوله : { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ } وذلك لأن بعض الناس قال إنا لما تأملنا القرآن فوجدنا فيه من الدلائل العقلية على التوحيد والحشر والنبوة ، وشرح صفات الله تعالى وبيان نعوت جلاله ما لم نجده في شيء من الكتب ، ووجدنا ما فيه من الشرائع مطابقة للعقول موافقة لها ، وجدناه مبرأ عن التناقض والتهافت ، فكان هدى ورحمة من هذه الجهات ووجدنا القوى البشرية قاصرة على جمع كتاب على هذا الوجه ، فعلمنا أنه ليس إلا من عند الله تعالى ، فكان القرآن معجزاً من هذه الجهة وثالثها : أنه هدى ورحمة للمؤمنين ، لبلوغه في الفصاحة إلى حيث عجزوا عن معارضته وذلك معجز ، ثم إنه تعالى لما بين كونه معجزاً دالاً على الرسالة ذكر بعده أمرين : الأول : قوله : { إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } والمراد أن القرآن وإن كان يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ، لكن لا تكن أنت في قيدهم ، فإن ربك هو الذي يقضي بينهم ، أي بين المصيب والمخطىء منهم ، وذلك كالزجر للكفار فلذلك قال : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي القادر الذي لا يمنع العليم بما يحكم فلا يكون إلا الحق ، فإن قيل القضاء والحكم شيء واحد فقوله : { يَقْضِى بِحُكْمِهِ } كقوله يقضي بقضائه ويحكم بحكمه والجواب : معنى قوله : { بِحُكْمِهِ } أي بما يحكم به وهو عدله ، لأنه لا يقضي إلا بالعدل ، أو أراد بحكمه ، ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة الثاني : أنه تعالى أمره بعد ظهور حجة رسالته بأن يتوكل على الله ، ولا يلتفت إلى أعداء الله ، ويشرع في تمشية مهمات الرسالة بقلب قوي ، فقال { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } ثم علل ذلك بأمرين : أحدهما : قوله : { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقّ ٱلْمُبِينِ } وفيه بيان أن المحق حقيق بنصرة الله تعالى وأنه لا يخذل وثانيهما : قوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } وإنما حسن جعله سبباً للأمر بالتوكل ، وذلك لأن الإنسان ما دام يطمع في أحد أن يأخذ منه شيئاً فإنه لا يقوى قلبه على إظهار مخالفته ، فإذا قطع طمعه عنه قوي قلبه على إظهار مخالفته ، فالله سبحانه وتعالى قطع محمداً صلى الله عليه وسلم عنهم بأن بين له أنهم كالموتى وكالصم وكالعمى فلا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل ، وهذا سبب لقوة قلبه عليه الصلاة والسلام على إظهار الدين كما ينبغي ، فإن قيل ما معنى قوله : { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } جوابه : هو تأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته . أما قوله تعالى : { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا } فالمعنى ما يجدي إسماعك إلا الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته ، أي يصدقون بها فهم مسلمون ، أي مخلصون من قوله : { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } [ البقرة : 112 ] يعني جعله سالماً لله تعالى خالصاً له ، والله أعلم .