Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 82-86)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن الله تعالى بين بالدلائل القاهرة كمال القدرة وكمال العلم ، ثم فرع عليهما القول بإمكان الحشر ، ثم بين الوجه في كون القرآن معجزاً ، ثم فرع عليه نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم تكلم الآن في مقدمات قيام القيامة ، وإنما أخر تعالى الكلام في هذا الباب عن إثبات النبوة ، لما أن هذه الأشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق وهذا هو النهاية في جودة الترتيب . واعلم أنه تعالى ذكر تارة ما يكون كالعلامة لقيام القيامة ، وتارة الأمور التي تقع عند قيام القيامة ، فذكر أولاً من علامات القيامة دابة الأرض ، والناس تكلموا فيها من وجوه : أحدها : في مقدار جسمها ، وفي الحديث أن طولها ستون ذراعاً ، وروي أيضاً أن رأسها تبلغ السحاب . وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب وثانيها : في كيفية خلقتها ، فروي أن لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان . وعن ابن جريج في وصفها : رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إيَّل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة بقرة وذنب كبش وخف بعير وثالثها : في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنه تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها . وعن الحسن : لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام ورابعها : في موضع خروجها " " سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أين تخرج الدابة ؟ فقال من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى المسجد الحرام " " وقيل تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية وخامسها : في عدد خروجها فروي أنها تخرج ثلاث مرات ، تخرج بأقصى اليمن ، ثم تكمن ، ثم تخرج بالبادية ، ثم تكمن دهراً طويلاً ، فبينا الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد ، فقوم يهربون وقوم يقفون نظارة . واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور ، فإن صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وإلا لم يلتفت إليه . أما قوله تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } فالمراد من القول متعلقه وهو ما وعدوا به من قيام الساعة ووقوعه حصوله ، والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها ، أما دابة الأرض فقد عرفتها . وأما قوله : { تُكَلّمُهُمْ } فقرىء تكْلِمهم من الكلم وهو الجرح ، روي أن الدابة تخرج من الصفا ومعها عصا موسى عليه السلام وخاتم سليمان ، فتضرب المؤمن بين عينيه بعصا موسى عليه السلام فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضيء لها وجهه ، وتنكت الكافر في أنفه فتفشو النكتة حتى يسود لها وجهه . واعلم أنه يجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضاً على معنى التكثير يقال فلان مكلم ، أي مجرح . وقرأ أبي تنبئهم ، وقرأ ابن مسعود تكلمهم بأن الناس ، والقراءة بإن مكسورة حكاية لقول الدابة ذلك ، أو هي حكاية لقول الله تعالى بين به أنه أخرج الدابة لهذه العلة . فإن قيل إذا كانت حكاية لقول الدابة فكيف يقول بآياتنا ؟ جوابه : أن قولها حكاية لقول الله تعالى ، أو على معنى بآيات ربنا ، أو لاختصاصها بالله تعالى أضافت آيات الله إلى نفسها ، كما يقال بعض خاصة الملك خيلنا وبلادنا ، وإنما هي خيل مولاه وبلاده ، ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار ، أي تكلمهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون . وأما قوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً مّمَّن يُكَذّبُ بِـئَايَـٰتِنَا } فاعلم أن هذا من الأمور الواقعة بعد قيام القيامة ، فالفرق بين من الأولى والثانية ، أن الأولى للتبعيض ، والثانية للتبيين كقوله : { مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } [ الحج : 30 ] . أما قوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } معناه يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار ، وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه ، كما وصفت جنود سليمان بذلك وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِـئَايَـٰتِى } فهذا وإن احتمل معجزات الرسل كما قاله بعضهم ، فالمراد كل الآيات فيدخل فيه سائر الكفار الذين كذبوا بآيات الله أجمع أو بشيء منها . أما قوله : { وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } فالواو للحال كأنه قال أكذبتم بها ، بادي الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها . أما قوله : { أمَّاذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فالمراد لما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم ، فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ؟ ٰ كأنه قال كل عمل سواه فكأنه ليس بعمل ، ثم قال : { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } يريد أن العذاب الموعود يغشاهم بسبب تكذيبهم بآيات الله فيشغلهم عن النطق والاعتذار كقوله : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } [ المرسلات : 35 ] ثم إنه سبحانه بعد أن خوفهم بأحوال القيامة ذكر كلاماً يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر فقال : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } أما وجه دلالته على التوحيد فلما ظهر في العقول أن التقليب من النور إلى الظلمة ، ومن الظلمة إلى النور ، لا يحصل إلا بقدرة قاهرة عالية . وأما وجه دلالته على الحشر فلأنه لما ثبتت قدرته تعالى في هذه الصورة على القلب من النور إلى الظلمة وبالعكس ، فأي امتناع في ثبوت قدرته على القلب من الحياة إلى الموت مرة ، ومن الموت إلى الحياة أخرى . وأما وجه دلالته على النبوة فلأنه تعالى يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين ، وفي بعثة الأنبياء والرسل إلى الخلق منافع عظيمة ، فما المانع من بعثتهم إلى الخلق لأجل تحصيل تلك المنافع ؟ فقد ثبت أن هذه الكلمة الواحدة كافية في إقامة الدلالة على تصحيح الأصول الثلاثة التي منها منشؤ كفرهم واستحقاقهم العذاب ، ثم في الآية سؤالان : السؤال الأول : ما السبب في أن جعل الإبصار للنهار وهو لأهله ؟ جوابه : تنبيهاً على كمال هذه الصفة فيه . السؤال الثاني : لما قال : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } فلم لم يقل والنهار لتبصروا فيه ؟ جوابه : لأن السكون في الليل هو المقصود من الليل ، وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية . وأما قوله : { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } خص المؤمنين بالذكر ، وإن كانت أدلة للكل من حيث اختصوا بالقبول والانتفاع على ما تقدم في نظائره .