Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-146)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أنه تعالى من تمام تأديبه قال للمنهزمين يوم أحد : إن لكم بالأنبياء المتقدمين وأتباعهم أسوة حسنة ، فلما كانت طريقة أتباع الأنبياء المتقدمين الصبر على الجهاد وترك الفرار ، فكيف يليق بكم هذا الفرار والانهزام ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن كثير « وكائن » على وزن كاعن ممدوداً مهموزاً مخففا ، وقرأ الباقون « كأين » مشدوداً بوزن كعين وهي لغة قريش ، ومن اللغة الأولى قول جرير : @ وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصيب هو المصاب @@ وأنشد المفضل : @ وكائن ترى في الحي من ذي قرابة . @@ المسألة الثانية : قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو { قتل معه } والباقون { قاتل معه } فعلى القراءة الأولى يكون المعنى أن كثيرا من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعدهم ما وهنوا في دينهم ، بل استمروا على جهاد عدوهم ونصرة دينهم ، فكان ينبغي أن يكون حالكم يا أمة محمد هكذا . قال القفال رحمه الله : والوقف على هذا التأويل على قوله : قتل وقوله : معه ربيون حال بمعنى قتل حال ما كان معه ربيون ، أو يكون على معنى التقديم والتأخير ، أي وكأين من نبي معه ربيون كثير قتل فما وهن الربيون على كثرتهم ، وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير فما ضعف الباقون ولا استكانو لقتل من قتل من إخوانهم ، بل مضوا على جهاد عدوهم ، فقد كان ينبغي أن يكون حالكم كذلك ، وحجة هذه القراءة أن المقصود من هذه الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء لتقتدي هذه الأمة بهم ، وقد قال تعالى : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } [ آل عمران : 144 ] فيجب أن يكون المذكور قتل سائر الأنبياء لا قتالهم ، ومن قرأ { قاتل معه } فالمعنى : وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوهم قرح فما وهنوا ، لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته وإقامة دينه ونصرة رسوله ، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد . وحجة هذه القراءة ان المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ، فوجب أن يكون المذكور هو القتال . وأيضاً روي عن سعيد بن جبير أنه قال : ما سمعنا بنبي قتل في القتال . المسألة الثالثة : قال الواحدي رحمه الله : أجمعوا على أن معنى « كأين » كم ، وتأويلها التكثير لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم ، ونظيره قوله : { فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } [ الحج : 45 ] { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا } [ الحج : 48 ] والكافي في « كأين » كاف التشبيه دخلت على « أي » التي هي للاستفهام كما دخلت على « ذا » من « كذا » و « أن » من كأن ، ولا معنى للتشبيه فيه كما لا معنى للتشبيه في كذا ، تقول : لي عليه كذا وكذا : معناه لي عليه عدد ما ، فلا معنى للتشبيه ، الا أنها زيادة لازمة لا يجوز حذفها ، واعلم أنه لم يقع للتنوين صورة في الخط إلا في هذا الحرف خاصة ، وكذا استعمال هذه الكلمة فصارت كلمة واحدة موضوعة للتكثير . المسألة الرابعة : قال صاحب « الكشاف » : الربيون الربانيون ، وقرىء بالحركات الثلاث والفتح على القياس ، والضم والكسر من تغييرات النسب . وحكى الواحدي عن الفراء أنه قال : الربيون : الأولون ، وقال الزجاج : هم الجماعات الكثيرة ، الواحد ربي ، قال ابن قتيبة : أصله من الربة وهي الجماعة ، يقال : ربي كأنه نسب الى الربة . وقال الأخفش : الربيون الذين يعبدون الرب ، وطعن فيه ثعلب ، وقال : كان يجب أن يقال : ربي ليكون منسوباً إلى الرب ، وأجاب من نصر الأخفش وقال : العرب إذا نسبت شيئاً الى شيء غيرت حركته ، كما يقال : بصري في النسب الى البصرة ، ودهري في النسبة الى الدهر ، وقال ابن زيد : الربانيون الأئمة والولاة ، والربيون الرعية ، وهم المنتسبون الى الرب . واعلم أنه تعالى مدح هؤلاء الربيون نوعين : أولا بصفات النفي ، وثانيا بصفات الإثبات ، أما المدح بصفات النفي فهو قوله تعالى : { فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } ولا بد من الفرق بين هذه الأمور الثلاثة ، قال صاحب « الكشاف » : ما وهنوا عند قتل النبي وما ضعفوا عن الجهاد بعده وما استكانوا للعدو ، وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار ، عند الإرجاف بقتل رسولهم ، وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين ، واستكانتهم للكفار حتى أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبدالله بن أُبَيّ ، وطلب الأمان من أبي سفيان ، ويحتمل أيضا أن يفسر الوهن باستيلاء الخوف عليهم ، ويفسر الضعف بأن يضعف إيمانهم ، وتقع الشكوك والشبهات في قلوبهم ، والاستكانة هي الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم ، وفيه وجه ثالث وهو ان الوهن ضعف يلحق القلب . والضعف المطلق هو اختلال القوة والقدرة بالجسم ، والاستكانة هي إظهار ذلك العجز وذلك الضعف ، وكل هذه الوجوه حسنة محتملة ، قال الواحدي : الاستكانة الخضوع ، وهو أن يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريد . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ } والمعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع فإن الله يحبه ، ومحبة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه واعزازه وتعظيمه ، والحكم له بالثواب والجنة ، وذلك نهاية المطلوب . ثم إنه تعالى أتبع ذلك بأن مدحهم بصفات الثبوت فقال :