Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 172-172)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الله تعالى مدح المؤمنين على غزوتين ، تعرف احداهما بغزوة حمراء الاسد ، والثانية بغزوة بدر الصغرى ، وكلاهما متصلة بغزوة أحد ، أما غزوة حمراء الاسد فهي المراد من هذه الآية على ما سنذكره ان شاء الله تعالى ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : في محل { ٱلَّذِينَ } وجوه : الأول : وهو قول الزجاج أنه رفع بالابتداء وخبره { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ } الى آخر هذه الآية : أن يكون محله هو الخفض على النعت للمؤمنين الثالث : أن يكون نصباً على المدح . المسألة الثانية : في سبب نزول هذه الآية قولان : الأول : وهو الأصح أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء ندموا ، وقالوا إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم ؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم ، فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة ، فندب أصحابه الى الخروج في طلب أبي سفيان وقال : لا أريد أن يخرج الآن معي إلا من كان معي في القتال ، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع قوم من أصحابه ، قيل كانوا سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد وهو من المدينة على ثلاثة أميال ، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا ، وروي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة ، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان كل ذلك لإثخان الجراحات فيهم ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ، ويتوكأ عليه صاحبه ساعة . والثاني : قال أبو بكر الأصم : نزلت هذه الآية في يوم أحد لما رجع الناس اليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنها بعد أن مثلوا بحمزة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ، وصلى عليهم ، صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم ، وذكروا أن صفية جاءت لتنظر الى أخيها حمزة فقال عليه الصلاة والسلام للزبير : ردها لئلا تجزع من مثلة أخيها ، فقالت : قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى ، فقال للزبير : فدعها تنظر اليه ، فقالت خيرا واستغفرت له . وجاءت امرأة قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر ، فهذا ما قيل في سبب نزول هذه الآية ، وأكثر الروايات على الوجه الأول . المسألة الثالثة : استجاب : بمعنى أجاب ، ومنه قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ إِلَىٰ } [ البقرة : 186 ] وقيل : أجاب ، فعل الاجابة واستجاب طلب أن يفعل الاجابة ، لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل ، والمعنى أجابوا وأطاعوا الله في أوامره وأطاعوا الرسول من بعد ما أصابهم الجراحات القوية . أما قوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } ففيه مسألتان . المسألة الأولى : في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } وجوه : الأول : { أَحْسَنُواْ } دخل تحته الائتمار بجميع المأمورات ، وقوله : { وَٱتَّقَوْاْ } دخل تحته الانتهاء عن جميع المنهيات ، والمكلف عند هذين الأمرين يستحق الثواب العظيم . الثاني : أحسنوا في طاعة الرسول في ذلك الوقت ، واتقوا الله في التخلف عن الرسول ، وذلك يدل على أنه يلزمهم الاستجابة للرسول وإن بلغ الأمر بهم في الجراحات ما بلغ من بعد أن يتمكنوا معه من النهوض . الثالث : أحسنوا : فيما أتوا به من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتقوا ارتكاب شيء من المنهيات بعد ذلك . المسألة الثانية : قال صاحب الكشاف « من » في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ } للتبيين لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا واتقوا كلهم لا بعضهم .