Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 18-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي بينهم وبين الشام فإنها هي البقعة المباركة . وقرى ظاهرة أي يظهر بعضها لبعضها يرى سواد القرية من القرية الأخرى ، فإن قال قائل : هذا من النعم والله تعالى قد شرع في بيان تبديل نعمهم قوله : { وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـتيهِمْ جَنَّتَيْنِ } فكيف عاد مرة أخرى إلى بيان النعمة بعد النقمة ؟ فنقول ذكر حال نفس بلدهم وبين تبديل ذلك بالخمط والأثل ، ثم ذكر حال خارج بلدهم وذكر عمارتها بكثرة القرى ، ثم ذكر تبديله ذلك بالمفاوز والبيادي والبراري بقوله : { رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } وقد فعل ذلك ، ويدل عليه قراءة من قرأ ربنا بعد على المبتدأ والخبر ، وقوله : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } الأماكن المعمورة تكون منازلها معلومة مقدرة لا تتجاوز ، فلما كان بين كل قرية مسيرة نصف نهار ، وكانوا يغدون إلى قرية ويروحون إلى أخرى ما أمكن في العرف تجاوزها ، فهو المراد بالتقدير والمفاوز لا يتقدر السير فيها بل يسير السائر فيها بقدر الطاقة جاداً حتى يقطعها ، وقوله : { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً } أي كان بينهم ليال وأيام معلومة ، وقوله : { ءَامِنِينَ } إشارة إلى كثرة العمارة ، فإن خوف قطاع الطريق والانقطاع عن الرقيق لا يكون في مثل هذه الأماكن ، وقيل بأن معنى قوله : { لَيَالِيَ وَأَيَّاماً } تسيرون فيه إن شئتم ليالي وإن شئتم أياماً لعدم الخوف بخلاف المواضع المخوفة فإن بعضها يسلك ليلاً ، لئلا يعلم العدو بسيرهم ، وبعضها يسلك نهاراً لئلا يقصدهم العدو ، إذا كان العدو غير مجاهر بالقصد والعداوة ، وقوله تعالى : { قَالُواْ ربَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } قيل بأنهم طلبوا ذلك وهو يحتمل وجهين أحدهما : أن يسألوا بطراً كما طلبت اليهود الثوم والبصل ، ويحتمل أن يكون ذلك لفساد اعتقادهم وشدة اعتمادهم على أن ذلك لا يقدر كما يقول القائل لغيره اضربني إشارة إلى أنه لا يقدر عليه . ويمكن أن يقال : { قَالُواْ ربَّنَا بَعْدَ } بلسان الحال ، أي لما كفروا فقد طلبوا أن يبعد بين أسفارهم ويخرب المعمور من ديارهم ، وقوله : { وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } يكون بياناً لذلك ، وقوله : { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } أي فعلنا بهم ما جعلناهم به مثلاً ، يقال : تفرقوا أيدي سبا ، وقوله : { وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } بيان لجعلهم أحاديث ، وقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي فيما ذكرناه من حال الشاكرين ووبال الكافرين .