Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 53-53)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم بين الله تعالى أن إيمانهم لا نفع فيه بسبب أنهم كفروا به من قبل ، والإشارة في قوله : { ءَامَنا بِهِ } وقوله : { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } إلى شيء واحد ، إما محمد عليه الصلاة والسلام وإما القرآن وإما الحق الذي أتى به محمد عليه السلام وهو أقرب وأولى ، وقوله : { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } ضد يؤمنون بالغيب لأن الغيب ينزل من الله على لسان الرسول ، فيقذفه الله في القلوب ويقبله المؤمن ، وأما الكافر فهو يقذف بالغيب ، أي يقول ما لا يعلمه ، وقوله : { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } يحتمل أن يكون المراد منه أن مأخذهم بعيد أخذوا الشريك من أنهم لا يقدرون على أعمال كثيرة إلا إذا كانوا أشخاصاً كثيرة ، فكذلك المخلوقات الكثيرة وأخذوا بعد الإعادة من حالهم وعجزهم عن الإحياء ، فإن المريض يداوى فإذا مات لا يمكنهم إعادة الروح إليه ، وقياس الله على المخلوقات بعيد المأخذ ، ويحتمل أن يقال إنهم كانوا يقولون بأن الساعة إذا كانت قائمة فالثواب والنعيم لنا ، كقول قائلهم : { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] فكانوا يقولون ذلك فإن كان من قول الرسول فما كان ذلك عندهم حتى يقولوا عن إحساس فإن ما لا يجب عقلاً لا يعلم إلا بالإحساس أو بقول الصادق ، فهم كانوا يقولون عن الغيب من مكان بعيد ، فإن قيل قد ذكرت أن الآخرة قريب فكيف قال من مكان بعيد ؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن ذلك قريب عند من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن لم يؤمن لا يمكنه التصديق به فيكون بعيداً عنده الثاني : أن الحكاية يوم القيامة ، فكأنه قال كانوا يقذفون من مكان بعيد وهو الدنيا ، ويحتمل وجهاً آخر وهو أنهم في الآخرة يقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } [ السجدة : 12 ] وهو قذف بالغيب من مكان بعيد وهو الدنيا .