Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 114-122)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، واعلم أن وجوه الأنعام وإن كانت كثيرة إلا أنها محصورة في نوعين إيصال المنافع إليه ودفع المضار عنه والله تعالى ذكر القسمين ههنا ، فقوله : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } إشارة إلى إيصال المنافع إليهما ، وقوله : { وَنَجَّيْنَـٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } إشارة إلى دفع المضار عنهما . أما القسم الأول : وهو إيصال المنافع ، فلا شك أن المنافع على قسمين : منافع الدنيا ومنافع الدين ، أما منافع الدنيا فالوجود والحياة والعقل والتربية والصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما ، وأما منافع الدين فالعلم والطاعة ، وأعلى هذه الدرجات النبوة الرفيعة المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة ، ولما ذكر الله تعالى هذه التفاصيل في سائر السور ، لا جرم اكتفى ههنا بهذا الرمز . وأما القسم الثاني : وهو دفع الضرر فهو المراد من قوله : { وَنَجَّيْنَـٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وفيه قولان : قيل إنه الغرق ، أغرق الله فرعون وقومه ، ونجى الله بني إسرائيل ، وقيل المراد أنه تعالى نجاهم من إيذاء فرعون حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم . واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه منَّ على موسى وهارون ، فصل أقسام تلك المنة . والهاء في قوله : { وَنَصَرْنَـٰهُمْ } أي نصرنا موسى وهارون وقومهما : { فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } في كل الأحوال بظهور الحجة وفي آخر الأمر بالدولة والرفعة وثانيهما : قوله تعالى : { وَءاتَيْنَـٰهُمَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ } والمراد منه التوراة ، وهو الكتاب المشتمل على جميع العلوم التي يحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا ، كما قال : { إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } [ المائدة : 44 ] ، وثالثها : قوله تعالى : { وَهَدَيْنَـٰهُمَا ٱلصّرٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي دللناهما على طريق الحق عقلاً وسمعاً ، وأمددناهما بالتوفيق والعصمة ، وتشبيه الدلائل الحقة بالطريق المستقيم واضح ورابعها : قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلأَخِرِينَ } وفيه قولان الأول : أن المراد { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلأَخِرِينَ } وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قولهم : { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } والثاني : أن المراد { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلأَخِرِينَ } وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الثناء الحسن والذكر الجميل ، وعلى هذا التقدير فقوله بعد ذلك : { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } هو كلام الله تعالى ، ولما ذكر تعالى هذه الأقسام الأربعة من أبواب التعظيم والتفضيل قال : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } وقد سبق تفسيره ، ثم قال تعالى : { إِنَّهمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } والمقصود التنبيه ، على أن الفضيلة الحاصلة بسبب الإيمان أشرف وأعلى وأكمل من كل الفضائل ، ولولا ذلك لما حسن ختم فضائل موسى وهارون بكونهما من المؤمنين ، والله أعلم .