Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 123-132)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذه القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن عامر : { وَإِنَّ إِلْيَاسَ } بغير همزة على وصل الألف والباقون بالهمزة وقطع الألف ، قال أبو بكر بن مهران : من ذكر عند الوصل الألف فقد أخطأ ، وكان أهل الشام ينكرونه ولا يعرفونه ، قال الواحدي وله وجهان أحدهما : أنه حذف الهمزة من إلياس حذفاً ، كما حذفها ابن كثير من قوله : { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } [ المدثر : 35 ] وكقول الشاعر : @ ويلمها في هواء الجو طالبة @@ والآخر أنه جعل الهمزة التي تصحب اللام للتعريف كقوله : { وَٱلْيَسَعَ } . المسألة الثانية : في إلياس قولان : يروى عن ابن مسعود أنه قرأ وإن إدريس ، وقال إن إلياس هو إدريس ، وهذا قول عكرمة ، وأما أكثر المفسرين فهم متفقون على أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل وهو إلياس بن ياسين ، من ولد هارون أخي موسى عليهم السلام ، ثم قال تعالى : { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ } والتقدير اذكر يا محمد لقومك : { إِذْ قَالَ لقومه أَلاَ تَتَّقُونَ } أي ألا تخافون الله ، وقال الكلبي ألا تخافون عبادة غير الله . واعلم أنه لما خوفهم أولاً على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك الخوف فقال : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَـٰلِقِينَ } وفيه أبحاث : الأول : في بعل قولان أحدهما : أنه اسم علم لصنم كان لهم كمناة وهبل ، وقيل كان من ذهب ، وكان طوله عشرين ذراعاً وله أربعة أوجه ، وفتنوا به وعظموه ، حتى عينوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء ، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة ، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشأم ، وبه سميت مدينتهم بعلبك . واعلم أن قولهم بعل اسم لصنم من أصنامهم لا بأس به ، وأما قولهم إن الشيطان كان يدخل في جوف بعلبك ويتكلم بشريعة الضلالة . فهذا مشكل لأنا إن جوزنا هذا كان ذلك قادحاً في كثير من المعجزات ، لأنه نقل في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كلام الذئب معه وكلام الجمل معه وحنين الجذع ، ولو جوزنا أن يدخل الشيطان في جوف جسم ويتكلم . فحينئذٍ يكون هذا الاحتمال قائماً في الذئب والجمل والجذع ، وذلك يقدح في كون هذه الأشياء معجزات القول الثاني : أن البعل هو الرب بلغة اليمن ، يقال من بعل هذه الدار ، أي من ربها ، وسمي الزوج بعلاً لهذا المعنى ، قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ } [ البقرة : 228 ] وقال تعالى : { وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } [ هود : 72 ] فعلى هذا التقدير المعنى ، أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله . البحث الثاني : المعتزلة احتجوا بهذه الآية على كون العبد خالقاً لأفعال نفسه ، فقالوا : لو لم يكن غير الله خالقاً لما جاز وصف الله بأنه أحسن الخالقين ، والكلام فيه قد تقدم في قوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . البحث الثالث : كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول لو قيل : أتدعون بعلاً وتدعون أحسن الخالقين . أوهم أنه أحسن ، لأنه كان قد تحصل فيه رعاية معنى التحسين وجوابه : أن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ . واعلم أنه لما عابهم على عبادة غير الله صرح بالتوحيد ونفى الشركاء ، فقال : { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وفيه مباحث . البحث الأول : أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن حدوث الأشخاص البشرية كيف يدل على وجود الصانع المختار ، وكيف يدل على وحدته وبراءته عن الأضداد والأنداد ، فلا فائدة في الإعادة . البحث الثاني : قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَائِكُمُ } كلها بالنصب على البدل من قوله : { أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } والباقون بالرفع على الاستئناف ، والأول اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، ونقل صاحب « الكشاف » أن حمزة إذا وصل نصب ، وإذا وقف رفع ، ولما حكى الله عنه أنه قرر مع قومه التوحيد قال : { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي لمحضرون النار غداً ، وقد ذكرنا الكلام فيه عند قوله : { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [ الصافات : 57 ] ثم قال تعالى : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } وذلك لأن قومه ما كذبوه بكليتهم ، بل كان فيهم من قبل ذلك التوحيد فلهذا قال تعالى : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } يعني الذين أتوا بالتوحيد الخالص فإنهم لا يحضرون ثم قال : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلأَخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } قرأ نافع وابن عامر ويعقوب آل ياسين على إضافة لفظ آل إلى لفظ ياسين والباقون بكسر الألف وجزم اللام موصولة بياسين ، أما القراءة الأولى ففيها وجوه الأول : وهو الأقرب أنا ذكرنا أنه إلياس بن ياسين فكان إلياس آل ياسين الثاني : آل ياسين آل محمد صلى الله عليه وسلم والثالث : أن ياسين اسم القرآن ، كأنه قيل سلام الله على من آمن بكتاب الله الذي هو ياسين ، والوجه هو الأول لأنه أليق بسياق الكلام ، وأما القراءة الثانية ففيها وجوه الأول : قال الزجاج يقال ميكال وميكائيل وميكالين ، فكذا ههنا إلياس وإلياسين والثاني : قال الفراء هو جمع وأراد به إلياس وأتباعه من المؤمنين ، كقولهم المهلبون والسعدون قال : @ أنا ابن سعد أكرم السعدينا @@ ثم قال تعالى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } وقد سبق تفسيره ، والله أعلم .