Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 113-113)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } والمعنى ولولا أن الله خصك بالفضل وهو النبوّة ، وبالرحمة وهي العصمة لهمت طائفة منهم أن يضلوك ، وذلك لأن قوم طعمة كانوا قد عرفوا أنه سارق ، ثم سألوا النبي عليه السلام أن يدفع ويجادل عنه ويبرئه عن السرقة ، وينسب تلك السرقة إلى اليهودي ، ومعنى يضلوك أي يلقوك في الحكم الباطل الخطأ . ثم قال تعالى : { وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ } بسبب تعاونهم على الإثم والعدوان وشهادتهم بالزور والبهتان ، فهم لما أقدموا على هذه الأعمال فهم الذين يعملون عمل الضالين . { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء } فيه وجهان : الأول : قال القفال رحمه الله : وما يضرونك في المستقبل ، فوعده الله تعالى في هذه الآية بادامة العصمة له مما يريدون من إيقاعه في الباطل . الثاني : أن المعنى أنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل ، لأنك بنيت الأمر على ظاهر الحال ، وأنت ما أمرت إلا ببناء الأحكام على الظواهر . ثم قال تعالى : { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } وأعلم أنّا إن فسرنا قوله { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء } بأن المراد أنه تعالى وعده بالعصمة في المستقبل كان قوله { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } مؤكداً لذلك الوعد ، يعني لما أنزل عليك الكتاب والحكمة وأمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات والضلالات ، وإن فسرنا تلك الآية بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان معذوراً في بناء الحكم على الظاهر كان المعنى : وأنزل عليك الكتاب والحكمة وأوجب فيها بناء أحكام الشرع على الظاهر فكيف يضرك بناء الأمر على الظاهر . ثم قال تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } قال القفال رحمه الله : هذه الآية تحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون المراد ما يتعلق بالدين ، كما قال { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } [ الشورى : 52 ] وعلى هذا الوجه تقدير الآية : أنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأطلعك على أسرارهما وأوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالماً بشيء منهما ، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك وإزلالك . الوجه الثاني : أن يكون المراد : وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم ، ثم قال { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } وهذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب وذلك لأن الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا القليل ، كما قال { وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] ونصيب الشخص الواحد من علوم جميع الخلق يكون قليلاً ، ثم أنه سمى ذلك القليل عظيماً حيث قال { وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } وسمى جميع الدنيا قليلاً حيث قال { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] وذلك يدل على غاية شرف العلم .