Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 136-136)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي مسائل : المسألة الأولى : في اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان : الأول : أنها متصلة بقوله : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ } وذلك لأن الإنسان لا يكون قائماً بالقسط إلا إذا كان راسخ القدم في الإيمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية ، وثانيهما : أنه تعالى لما بيّـن الأحكام الكثيرة في هذه السورة ذكر عقيبها آية الأمر بالإيمان . المسألة الثانية : أعلم أن ظاهر قوله تعالى : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } مشعر بأنه أمر بتحصيل الحاصل ، ولا شك أنه محال ، فلهذا السبب ذكر المفسرون في وجوهاً وهي منحصرة في قولين : الأول : أن المراد بقوله تعالى : { يا أيهاٱلَّذِينَ آمنوا } المسلمون ، ثم في تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه : الأول : أن المراد منه يا أيها الذين آمنوا آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه ، وحاصله يرجع إلى هذا المعنى : يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحاضر آمنوا في المستقبل ، ونظيره قوله { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهِ } [ محمد : 19 ] مع أنه كان عالماً بذلك . وثانيها : يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال . وثالثها : يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجميلة آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية . ورابعها : يا أيها الذين آمنوا بالدلائل التفصيلية بالله وملائكته وكتبه ورسله آمنوا بأن كنه عظمة الله لا تنتهي إليه عقولكم ، وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا تنتهي إليها على سبيل التفصيل عقولنا . وخامسها : روي أن جماعة من أحبار اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما بما سواه من الكتب والرسل ، فقال صلى الله عليه وسلم : " " بل آمنوا بالله وبرسله وبمحمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله ، فقالوا : لا نفعل ، فنزلت هذه الآية فكلهم آمنوا " . " القول الثاني : أن المخاطبين بقوله { ءامَنُواْ } ليس هم المسلمون ، وفي تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه : الأول : أن الخطاب مع اليهود والنصارى ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن . وثانيها : أن الخطاب مع المنافقين ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا باللسان آمنوا بالقلب ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [ المائدة : 41 ] وثالثها : أنه خطاب مع الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا وجه النهار آمنوا أيضاً آخره . ورابعها : أنه خطاب للمشركين تقديره : يا أيها الذين آمنوا بالّلات والعزى آمنوا بالله ، وأكثر العلماء رجّحوا القول الأول لأن لفظ المؤمن لا يتناول عند الإطلاق إلا المسلمين . المسألة الثالثة : قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ } على ما لم يسم فاعله ، والباقون نزل وأنزل بالفتح ، فمن ضم فحجته قوله تعالى : { لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } وقال في آية أخرى { وَٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مّن رَّبّكَ } [ الأنعام : 114 ] ومن فتح فحجته قوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ } وقوله { وَأَنزَلْنَا ٱلذّكْرِ } وقال بعض العلماء : كلاهما حسن إلا أن الضم أفخم كما في قوله { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِى مَاءكِ } [ هود : 44 ] . المسألة الرابعة : اعلم أنه أمر في هذه الآية بالإيمان بأربعة أشياء : أولها : بالله ، وثانيها : برسوله ، وثالثها : بالكتاب الذي نزل على رسوله ، ورابعها : بالكتاب الذي أنزل من قبل ، وذكر في الكفر أموراً خمسة : فأولها : الكفر بالله ، وثانيها : الكفر بملائكته ، وثالثها : الكفر بكتبه ، ورابعها : الكفر برسله ، وخامسها : الكفر باليوم الآخر . ثم قال تعالى : { فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً } وفي الآية سؤالات : السؤال الأول : لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب ، وفي مراتب الكفر قَلَبَ القضية ؟ الجواب : لأن في مرتبة النزول من معرفة الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدماً على الرسول وفي مرتبة العروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدماً على الكتاب . السؤال الثاني : لم ذكر في مراتب الإيمان أموراً ثلاثة : الإيمان بالله وبالرسول وبالكتب ، وذكر في مراتب الكفر أموراً خمسة : الكفر بالله وبالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر . والجواب : أن الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب متى حصل فقد حصل الإيمان بالملائكة واليوم الآخر لا محالة ، إذ ربما ادعى الإنسان أنه يؤمن بالله وبالرسل وبالكتب ، ثم إنه ينكر الملائكة وينكر اليوم الآخر ، ويزعم أنه يجعل الآيات الواردة في الملائكة وفي اليوم الآخر محمولة على التأويل ، فلما كان هذا الاحتمال قائماً لا جرم نص أن منكر الملائكة ومنكر القيامة كافر بالله . السؤال الثالث : كيف قيل لأهل الكتب { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ مِن قَبْلُ } مع أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة والإنجيل بل مؤمنين بهما ؟ والجواب عنه من وجهين : الأول : أنهم كانوا مؤمنين بهما فقط وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب ، فأمروا أن يؤمنوا بكل الكتب المنزلة ، الثاني : أن إيمانهم ببعض الكتب دون البعض لا يصح لأن طريق الإيمان هو المعجزة ، فإذا كانت المعجزة حاصلة في الكل كان ترك الإيمان بالبعض طعناً في المعجزة ، وإذا حصل الطعن في المعجزة امتنع التصديق بشيء منها ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 150 ، 151 ] . السؤال الرابع : لم قال { نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَأَنزَلَ مِنَ قَبْلُ } . والجواب : قال صاحب « الكشاف » : لأن القرآن نزل مفرقاً منجماً في عشرين سنة بخلاف الكتب قبله . وأقول : الكلام في هذا سبق في تفسير قوله تعالى : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ } [ آل عمران : 3 ، 4 ] . السؤال الخامس : قوله { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ مِن قَبْلُ } لفظ مفرد ، وأي الكتب هو المراد منه ؟ الجواب : أنه اسم جنس فيصلح للعموم .