Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 137-138)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما أمر بالإيمان ورغب فيه بين فساد طريقة من يكفر بعد الإيمان فذكر هذه الآية . واعلم أن فيها أقوالاً كثيرة : الأول : أن المراد منه الذين يتكرر منهم الكفر بعد الإيمان مرات وكرات ، فإن ذلك يدل على أنه لا وقع للإيمان في قلوبهم ، إذ لو كان للإيمان وقع ورتبة في قلوبهم لما تركوه بأدنى سبب ، ومن لا يكون للإيمان في قلبه وقع فالظاهر أنه لا يؤمن بالله إيماناً صحيحاً معتبراً فهذا هو المراد بقوله { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } وليس المراد أنه لو أتى بالإيمان الصحيح لم يكن معتبراً ، بل المراد منه الاستبعاد والاستغراب على الوجه الذي ذكرناه ، وكذلك نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات ، والغالب أنه يموت على الفسق ، فكذا ههنا . الثاني : قال بعضهم : اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ، ثم كفروا بعزير ، ثم آمنوا بداود ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفراً عند مقدم محمد عليه الصلاة والسلام . الثالث : قال آخرون : المراد المنافقون ، فالإيمان الأول إظهارهم الإسلام ، وكفرهم بعد ذلك هو نفاقهم وكون باطنهم على خلاف ظاهرهم ، والإيمان الثاني هو أنهم كلما لقوا جمعاً من المسلمين قالوا إنا مؤمنون والكفر الثاني هو أنهم إذا دخلوا على شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون ، وازديادهم في الكفر هو جدهم واجتهادهم في استخراج أنواع المكر والكيد في حق المسلمين ، وإظهار الإيمان قد يسمى إيماناً قال تعالى { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] قال القفال رحمة الله عليه : وليس المراد بيان هذا العدد ، بل المراد ترددهم كما قال { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } [ النساء : 143 ] قال والذي يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } . الرابع : قال قوم : المراد طائفة من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المسلمين فكانوا يظهرون الإيمان تارة ، والكفر أخرى على ما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا { ءامِنُواْ بِٱلَّذِي أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَجْهَ النهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون } [ آل عمران : 72 ] وقوله { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } معناه أنهم بلغوا في ذلك إلى حد الاستهزاء والسخرية بالإسلام . المسألة الثانية : دلّت الآية على أنه قد يحصل الكفر بعد الإيمان وهذا يبطل مذهب القائلين بالموافاة ، وهي أن شرط صحة الإسلام أن يموت على الإسلام وهم يجيبون عن ذلك بأنا نحمل الإيمان على إظهار الإيمان . المسألة الثالثة : دلت الآية على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان ، فوجب أن يكون الإيمان أيضاً كذلك لأنهما ضدان متنافيان ، فإذا قبل أحدهما التفاوت فكذلك الآخر ، وذكروا في تفسير هذه الزيادة وجوهاً : الأول : أنهم ماتوا على كفرهم . الثاني : أنهم ازدادوا كفراً بسبب ذنوب أصابوها حال كفرهم ، وعلى هذا التقدير لما كانت إصابة الذنوب وقت الكفر زيادة في الكفر فكذلك إصابة الطاعات وقت الإيمان يجب أن تكون زيادة في الإيمان . الثالث : أن الزيادة في الكفر إنما حصلت بقولهم { إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن } [ البقرة : 14 ] وذلك يدل على الاستهزاء بالدين أعظم درجات الكفر وأقوى مراتبه . ثم قال تعالى : { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } وفيه سؤالان : الأول : أن الحكم المذكور في هذه الآية إما أن يكون مشروطاً بما قبل التوبة أو بما بعدها ، والأول باطل لأن الكفر قبل التوبة غير مذكور على الإطلاق ، وحينئذ تضيع هذه الشرائط المذكورة في هذه الآية . والثاني : أيضاً باطل لأن الكفر بعد التوبة مغفور ، ولو كان ذلك بعد ألف مرة ، فعلى كلا التقديرين فالسؤال لازم . والجواب عنه من وجوه : الأول : أنا لا نحمل قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ } على الاستغراق ، بل نحمله على المعهود السابق ، والمراد به أقوام معينون علم الله تعالى منهم أنهم يموتون على الكفر ولا يتوبون عنه قط فقوله { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } إخبار عن موتهم على الكفر ، وعلى هذا التقدير زال السؤال . الثاني : أن الكلام خرج على الغالب المعتاد ، وهو أن كل من كان كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإسلام في قلبه وقع ولا عظم ، والظاهر من حال مثل هذا الإنسان أنه يموت على الكفر على ما قررناه . الثالث : أن الحكم المذكور في الآية مشروط بعدم التوبة عن الكفر ، وقول السائل : إن على هذا التقدير تضيع الصفات المذكورة . قلنا : إن إفرادهم بالذكر يدل على كفرهم أفحش وخيانتهم أعظم وعقوبتهم في القيامة أقوى فجرى هذا مجرى قوله { وَإِذ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] خصهما بالذكر لأجل التشريف ، وكذلك قوله { وَمَلَـئِكَتُهُ … وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] . السؤال الثاني : في قوله { لِيَغْفِرَ لَهُمْ } اللام للتأكيد فقوله { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } يفيد نفي التأكيد ، وهذا غير لائق بهذا الموضع إنما اللائق به تأكيد النفي ، فما الوجه فيه ؟ والجواب : أن نفي التأكيد إذا ذكر على سبيل التهكم كان المراد منه المبالغة في تأكيد النفي . ثم قال تعالى : { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } قال أصحابنا : هذا يدل على أنه سبحانه وتعالى لم يهد الكافر إلى الإيمان خلافاً للمعتزلة ، وهم أجابوا عنه بأنه محمول على المنع من زيادة اللطف ، أو على أنه تعالى لا يهديه في الآخرة إلى الجنة . ثم قال تعالى : { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } . واعلم أن من حمل الآية المتقدمة على المنافقين قال إنه تعالى بيّن أنه لا يغفر لهم كفرهم ولا يهديهم إلى الجنة ، ثم قال : وكما لا يوصلهم إلى دار الثواب فإنه مع ذلك يوصلهم إلى أعظم أنواع العقاب ، وهو المراد من قوله { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وقوله { بُشّرَ } تهكم بهم ، والعرب تقول : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف . ثم قال تعالى :