Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 44-45)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما ذكر من أول هذه السورة إلى هذا الموضع أنواعا كثيرة من التكاليف والأحكام الشرعية ، قطع ههنا ببيان الأحكام الشرعية ، وذكر أحوال أعداء الدين وأقاصيص المتقدمين ، لأن البقاء في النوع الواحد من العلم مما يكل الطبع ويكدر الخاطر ، فأما الانتقال من نوع من العلوم إلى نوع آخر ، فإنه ينشط الخاطر ويقوي القريحة ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قوله : { أَلَمْ تَرَ } معناه : ألم ينته علمك إلى هؤلاء ، وقد ذكرنا ما فيه عند قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَاجَّ إِبْرٰهِيمَ } [ البقرة : 258 ] وحاصل الكلام أن العلم اليقيني يشبه الرؤية ، فيجوز جعل الرؤية استعارة عن مثل هذا العلم . المسألة الثانية : الذين أوتوا نصيبا من الكتاب : هم اليهود ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن قوله بعد هذه الآية : { مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } [ النساء : 46 ] متعلق بهذه الآية . الثاني : روى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في حبرين من أحبار اليهود ، كانا يأتيان رأس المنافقان عبدالله بن أبي ورهطه فيثبطونهم عن الإسلام . الثالث : أن عداوة اليهود كانت أكثر من عداوة النصارى بنص القرآن ، فكانت إحالة هذا المعنى على اليهود أولى . المسألة الثالثة : لم يقل تعالى : انهم أوتوا علم الكتاب ، بل قال : { أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } لأنهم عرفوا من التوراة نبوة موسى عليه السلام ، ولم يعرفوا منها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأما الذين أسلموا كعبدالله بن سلام وعرفوا الأمرين ، فوصفهم الله بأن معهم علم الكتاب ، فقال : { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ الرعد : 43 ] والله أعلم . المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين : الضلال والإضلال ، أما الضلال فهو قوله : { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلـٰلَةَ } وفيه وجوه : الأول : قال الزجاج : يؤثرون تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ليأخذوا الرشا على ذلك ويحصل لهم الرياسة ، وإنما ذكر ذلك بلفظ الاشتراء لأن من اشترى شيئا آثره . الثاني : أن في الآية إضمارا ، وتأويله : يشترون الضلالة بالهدى كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [ البقرة : 16 ] أي يستبدلون الضلالة بالهدى ، ولا إضمار على قول الزجاج . الثالث : المراد بهذه الآية عوام اليهود ، فانهم كانوا يعطون أحبارهم بعض أموالهم ويطلبون منهم أن ينصروا اليهودية ويتعصبوا لها ، فكانوا جارين مجرى من يشتري بماله الشبهة والضلالة ، ولا إضمار على هذا التأويل أيضا ، ولكن الأولى أن تكون الآية نازلة في علمائهم ، ثم لما وصفهم تعالى بالضلال وصفهم بعد ذلك بالإضلال فقال : { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } يعني أنهم يتوصلون إلى إضلال المؤمنين والتلبيس عليهم لكي يخرجوا عن الإسلام . واعلم أنك لا ترى حالة أسوأ ولا أقبح ممن جمع بين هذين الأمرين أعني الضلال والإضلال . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي هو سبحانه أعلم بكنه ما في قلوبهم وصدورهم من العداوة والبغضاء . ثم قال تعالى : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } والمعنى أنه تعالى لما بين شدة عداوتهم للمسلمين ، بين أن الله تعالى ولي المسلمين وناصرهم ، ومن كان الله وليا له وناصرا له لم تضره عداوة الخلق ، وفي الآية سؤالات : السؤال الأول : ولاية الله لعبده عبارة عن نصرته له ، فذكر النصير بعد ذكر الولي تكرارا . والجواب : أن الولي المتصرف في الشيء ، والمتصرف في الشيء لا يجب أن يكون ناصرا له فزال التكرار . السؤال الثاني : لم لم يقل : وكفى بالله وليا ونصيرا ؟ وما الفائدة في تكرير قوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } . والجواب : أن التكرار في مثل هذا المقام يكون أشد تأثيرا في القلب وأكثر مبالغة . السؤال الثالث : ما فائدة الباء في قوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } . والجواب : ذكروا وجوها ، الأول : لو قيل : كفى الله ، كان يتصل الفعل بالفاعل . ثم ههنا زيدت الباء إيذانا أن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في الرتبة وعظم المنزلة . الثاني : قال ابن السراج : تقدير الكلام : كفى اكتفاؤك بالله وليا ، ولما ذكرت « كفى » دل على الاكتفاء ، لأنه من لفظه ، كما تقول : من كذب كان شرا له ، أي كان الكذب شراً له ، فأضمرته لدلالة الفعل عليه . الثالث : يخطر ببالي أن الباء في الأصل للإلصاق ، وذلك إنما يحسن في المؤثر الذي لا واسطة بينه وبين التأثير ، ولو قيل : كفى الله ، دل ذلك على كونه تعالى فاعلا لهذه الكفاية ، ولكن لا يدل ذلك على أنه تعالى يفعل بواسطة أو بغير واسطة ، فإذا ذكرت حرف الباء دل على أنه يفعل بغير واسطة ، بل هو تعالى يتكفل بتحصيل هذا المطلوب ابتداء من غير واسطة أحد ، كما قال : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ قۤ : 16 ] .