Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-50)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعمل أنه تعالى لما هدد اليهود بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } فعند هذا قالوا : لسنا من المشركين ، بل نحن خواص الله تعالى كما حكى تعالى عنهم انهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] وحكى عنهم أنهم قالوا : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] وحكى أيضا أنهم قالوا : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [ البقرة : 111 ] وبعضهم كانوا يقولون : أن آباءنا كانوا أنبياء فيشفعون لنا . وعن ابن عباس رضي الله عنه ان قوما من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا محمد هل على هؤلاء ذنب ؟ فقال لا ، فقالوا : والله ما نحن إلا كهؤلاء : ما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار ، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل . وبالجملة فالقوم كانوا قد بالغوا في تزكية أنفسهم فذكر تعالى في هذه الآية أنه لا عبرة بتزكية الانسان نفسه ، وإنما العبرة بتزكية الله له وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : التزكية في هذا الموضع عبارة عن مدح الانسان نفسه ، ومنه تزكية المعدل للشاهد ، قال تعالى : { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [ النجم : 32 ] وذلك لأن التزكية متعلقة بالتقوى ، والتقوى صفة في الباطن ، ولا يعلم حقيقتها إلا الله ، فلا جرم لا تصلح التزكية إلا من الله ، فلهذا قال تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } . فان قيل : أليس أنه صلى الله عليه وسلم قال : " " والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض " . " قلنا : إنما قال ذلك حين قال المنافقون له : اعدل في القسمة ، ولأن الله تعالى لما زكّاه أولا بدلالة المعجزة جاز له ذلك بخلاف غيره . المسألة الثانية : قوله : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } يدل على أن الايمان يحصل بخلق الله تعالى لأن أجل أنواع الزكاة والطهارة وأشرفها هو الايمان ، فلما ذكر تعالى انه هو الذي يزكي من يشاء دل على أن ايمان المؤمنين لم يحصل إلا بخلق الله تعالى . المسألة الثالثة : قوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } هو كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] والمعنى ان الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تلك التزكية حق جزائهم من غير ظلم ، أو يكون المعنى : أن الذين زكاهم الله فانه يثيبهم على طاعاتهم ولا ينقص من ثوابهم شيئا ، والفتيل ما فتلت بين أصبعيك من الوسخ ، فعيل بمعنى مفعول ، وعن ابن السكيت : الفتيل ما كان في شق النواة ، والنقير النقطة التي في ظهر النواة ، والقطمير القشرة الرقيقة على النواة ، وهذه الأشياء كلها تضرب أمثالا للشيء التافه الحقير ، أي لا يظلمون لا قليلا ولا كثيرا . ثم قال تعالى : { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : هذا تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم من فريتهم على الله ، وهي تزكيتهم أنفسهم وافتراؤهم على الله ، وهو قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] وقولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } وقولهم : ما عملناه بالنهار يكفر عنا بالليل . المسألة الثانية : مذهبنا أن الخبر عن الشيء اذا كان على خلاف المخبر عنه كان كذبا ، سواء علم قائله كونه كذلك أو لم يعلم ، وقال الجاحظ : شرط كونه كذبا أن يعلم كونه بخلاف ذلك ، وهذه الآية دليل لنا لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم الزكاء والطهارة ، ثم لما أخبروا بالزكاة والطهارة كذبهم الله فيه ، وهذا يدل على ما قلناه . ثم قال تعالى : { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } وإنما يقال : كفى به في التعظيم على جهة المدح أو على جهة الذم ، أما في المدح فكقوله : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } [ النساء : 45 ] وأما في الذم فكما في هذا الموضع . وقوله : { إِثْماً مُّبِيناً } منصوب على التمييز .