Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 51-52)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود نوعا آخر من المكر ، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين ، ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل ، فكان إقدامهم على هذا القول لمحض العناد والتعصب ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا الى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وأنتم أقرب الى محمد منكم الينا فلا نأمن مكركم ، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ، ففعلوا ذلك . فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت ، لأنهم سجدوا للأصنام ، فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد ؟ فقال كعب : ماذا يقول محمد ؟ يأمر بعبادة الله وحده وينهي عن عبادة الأصنام وترك دين آبائه ، وأوقع الفرقة . قال : وما دينكم ؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم ، فقال : أنتم أهدى سبيلا . فهذا هو المراد من قولهم : { لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } [ النساء : 51 ] . المسألة الثانية : اختلف الناس في الجبت والطاغوت ، وذكروا فيه وجوه : الأول : قال أهل اللغة : كل معبود دون الله فهو جبت وطاغوت ، ثم زعم الأكثرون أن الجبت ليس له تصرف في اللغة . وحكى القفال عن بعضهم أن الجبت أصله جبس ، فأبدلت السين تاء ، والجبس هو الخبيث الردىء ، وأما الطاغوت فهو مأخوذ من الطغيان ، وهو الاسراف في المعصية ، فكل من دعا إلى المعاصي الكبار لزمه هذا الاسم ، ثم توسعوا في هذا الاسم حتى أوقعوه على الجماد ، كما قال تعالى : { وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 35 ، 36 ] فأضاف الاضلال إلى الأصنام مع أنها جمادات . الثاني : قال صاحب « الكشاف » : الجبت الأصنام وكل ما عبد من دون الله ، والطاغوت الشيطان . الثالث : الجبت الأصنام ، والطاغوت تراجمة الأصنام يترجمون للناس عنها الأكاذيب فيضلونهم بها ، وهو منقول عن ابن عباس . الرابع : روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الجبت الكاهن ، والطاغوت الساحر . الخامس : قال الكلبي : الجبت في هذه الآية حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف ، وكانت اليهود يرجعون اليهما ، فسميا بهذين الاسمين لسعيهما في إغواء الناس وإضلالهم . السادس : الجبت والطاغوت صنمان لقريش ، وهما الصنمان اللذان سجد اليهود لهما طلبا لمرضاة قريش ، وبالجملة فالأقاويل كثيرة ، وهما كلمتان وضعتا علمين على من كان غاية في الشر والفساد . ثم قال تعالى : { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } فبين أن عليهم اللعن من الله وهو الخذلان والابعاد ، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له ، كما قال : { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] فهذا اللعن حاضر ، وما في الآخرة أعظم ، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ، وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وسلم بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية ، بالضد على الضد ، كما قال في الآيات المتقدمة : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } [ النساء : 45 ] . واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم يجري مجرى المكابرة ، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله ! ومن كان دينه الاقبال بالكلية على خدمة الخالق والاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة ، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال ، والله أعلم .