Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-89)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسألتان : المسألة الأولى : انه تعالى لما قال قبل هذه الآية : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } [ النساء : 88 ] وكان ذلك استفهاما على سبيل الانكار قرر ذلك الاستبعاد بأن قال : انهم بلغوا في الكفر الى أنهم يتمنون أن تصيروا أيها المسلمون كفارا ، فلما بلغوا في تعصبهم في الكفر الى هذا الحد فكيف تطمعون في ايمانهم . المسألة الثانية : قوله : { فَتَكُونُونَ سَوَاء } رفع بالنسق على { تَكْفُرُونِ } والمعنى : ودّوا لو تكونون ، والفاء عاطفة ولا يجوز أن يجعل ذلك جواب التمني ، ولو أراد ذلك على تأويل إذا كفروا استووا لكان نصبا ، ومثله قوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ولو قيل : { فيدهنوا } على الجواب لكان ذلك جائزا في الاعراب ، ومثله : { وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 102 ] ومعنى قوله : { فَتَكُونُونَ سَوَاء } أي في الكفر ، والمراد فتكونون أنتم وهم سواء الا أنه اكتفى بذكر المخاطبين عن ذكر غيرهم لوضوح المعنى بسبب تقدم ذكرهم ، واعلم أنه تعالى لما شرح للمؤمنين كفرهم وشدة غلوهم في ذلك الكفر ، فبعد ذلك شرح للمؤمنين كيفية المخالطة معهم فقال : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والالحاد ، وهذا متأكد بعموم قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } والسبب فيه أن أعز الاشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين ، لأن ذلك هو الامر الذي به يتقرب الى الله تعالى ، ويتوسل به الى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه والله أعلم . المسألة الثانية : قوله : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } قال أبو بكر الرازي : التقدير حتى يسلموا ويهاجروا ، لأن الهجرة في سبيل الله لا تكون إلا بعد الاسلام ، فقد دلت الآية على إيجاب الهجرة بعد الاسلام ، وانهم وإن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة ، ونظيره قوله : { مَالَكُمْ مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] . واعلم أن هذا التكليف إنما كان لازما حال ما كانت الهجرة مفروضة قال صلى الله عليه وسلم : " " أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين وأنا بريء من كل مسلم مع مشرك " " فكانت الهجرة واجبة إلى أن فتحت مكة ، ثم نسخ فرض الهجرة . عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " وروي عن الحسن أن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الاسلام قائما . المسألة الثالثة : اعلم أن الهجرة تارة تحصل بالانتقال من دار الكفر إلى دار الايمان ، وأخرى تحصل بالانتقال عن أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم : " " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " " وقال المحققون : الهجرة في سبيل الله عبارة عن الهجرة عن ترك مأموراته وفعل منهياته ، ولما كان كل هذه الأمور معتبرا لا جرم ذكر الله تعالى لفظا عاما يتناول الكل فقال : { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فانه تعالى لم يقل : حتى يهاجروا عن الكفر ، بل قال : { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وذلك يدخل فيه مهاجرة دار الكفر ومهاجرة شعار الكفر ، ثم لم يقتصر تعالى على ذكر الهجرة ، بل قيده بكونه في سبيل الله ، فانه ربما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الاسلام ، ومن شعار الكفر إلى شعار الاسلام لغرض من أغراض الدنيا ، إنما المعتبر وقوع تلك الهجرة لأجل أمر الله تعالى . ثم قال تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 89 ] . والمعنى فان أعرضوا عن الهجرة ولزموا مواضعهم خارجا عن المدينة فخذوهم اذا قدرتم عليهم ، واقتلوهم أينما وجدتموهم في الحل والحرم ، ولا تتخذوا منهم في هذه الحالة ولياً يتولى شيئا من مهماتكم ولا نصيرا ينصركم على أعدائكم . واعلم أنه تعالى لما أمر بقتل هؤلاء الكفار استثنى منه موضعين الأول في قوله تعالى :