Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-88)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا نوع آخر من أحوال المنافقين ذكره الله تعالى ، وههنا مسائل : المسألة الأولى : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها : الأول : أنها نزلت في قوم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وآله مسلمين فأقاموا بالمدينة ما شاء الله ، ثم قالوا يا رسول الله : نريد أن نخرج إلى الصحراء فائذن لنا فيه ، فأذن لهم ، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فتكلم المؤمنون فيهم ، فقال بعضهم : لو كانوا مسلمين مثلنا لبقوا معنا وصبروا كما صبرنا وقال قوم : هم مسلمون ، وليس لنا أن ننسبهم إلى الكفر إلى أن يظهر أمرهم ، فبين الله تعالى نفاقهم في هذه الآية . الثاني : نزلت الآية في قوم أظهروا الاسلام بمكة ، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين . فاختلف المسلمون فيهم وتشاجروا ، فنزلت الآية . وهو قول ابن عباس وقتادة . الثالث : نزلت الآية في الذين تخلفوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، فاختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ، فمنهم فرقة يقولون كفروا ، وآخرون قالوا : لم يكفروا ، فنزلت هذه الآية . وهو قول زيد بن ثابت ، ومنهم من طعن في هذا الوجه وقال : في نسق الآية ما يقدح فيه ، وإنهم من أهل مكة ، وهو قوله تعالى : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 89 ] الرابع : نزلت الآية في قوم ضلوا وأخذوا أموال المسلمين وانطلقوا بها إلى اليمامة فاختلف المسلمون فيهم ، فنزلت الآية : وهو قول عكرمة . الخامس : هم العرنيون الذين أغاروا وقتلوا يسارا مولى الرسول صلى الله عليه وسلم . السادس : قال ابن زيد : نزلت في أهل الافك . المسألة الثانية : في معنى الآية وجهان : الأول : أن « فئتين » نصب على الحال : كقولك : مالك قائما ، أي مالك في حال القيام ، وهذا قول سيبويه . الثاني : أنه نصب على خبر كان ، والتقدير : مالكم صرتم في المنافقين فئتين ، وهو استفهام على سبيل الانكار ، اي لم تختلفون في كفرهم مع أن دلائل كفرهم ونفاقهم ظاهرة جلية ، فليس لكم أن تختلفوا فيه بل يجب أن تقطعوا بكفرهم . المسألة الثالثة : قال الحسن : إنما سماهم منافقين وان أظهروا الكفر لأنهم وصفوا بالصفة التي كانوا عليها من قبل ، والمراد بقوله : { فِئَتَيْنِ } ما بينا ان فرقة منهم كانت تميل اليهم وتذب عنهم وتواليهم ، وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم ، فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبري والتكفير ، والله أعلم . ثم قال تعالى مخبرا عن كفرهم : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : الركس : رد الشيء من آخره إلى أوله ، فالركس والنكس والمركوس والمنكوس واحد ، ومنه يقال للروث الركس لأنه رد إلى حالة خسيسة ، وهي حالة النجاسة ، ويسمى رجيعا لهذا المعنى أيضا ، وفيه لغتان : ركسهم وأركسهم فارتكسوا ، أي ارتدوا . وقال أمية . @ فأركسوا في حميم النار إنهم كانوا عصاة وقالوا الافك والزورا @@ المسألة الثانية : معنى الآية أنه ردهم إلى أحكام الكفار من الذل والصغار والسبي والقتل بما كسبوا ، أي بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق ، وذلك أن المنافق ما دام يكون متمسكا في الظاهر بالشهادتين لم يكن لنا سبيل إلى قتله ، فاذا أظهر الكفر فحينئذ يجري الله تعالى عليه أحكام الكفار . المسألة الثالثة : قرأ ابي كعب وعبدالله بن مسعود { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } وقد ذكرنا أن أركس وركس لغتان . ثم قال تعالى : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } قالت المعتزلة المراد من قوله : { أَضَلَّ ٱللَّهُ } ليس أنه هو خلق الضلال فيه للوجوه المشهورة ، ولأنه تعالى قال قبل هذه الآية : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } فبين تعالى انه إنما ردهم وطردهم بسبب كسبهم وفعلهم ، وذلك ينفي القول بان إضلالهم حصل بخلق الله وعند هذا حملوا قوله : { مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } على وجوه : الأول : المراد منه ان الله تعالى حكم بضلالهم وكفرهم كما يقال فلان يكفر فلانا ويضله : بمعنى أنه حكم به وأخبر عنه : الثاني : أن المعنى أتريدون أن تهدوا إلى الجنة من أضله الله عن طريق الجنة ، وذلك لأنه تعالى يضل الكفار يوم القيامة عن الاهتداء إلى طريق الجنة . الثالث : أن يكون هذا الاضلال مفسرا بمنع الالطاف . واعلم أنا قد ذكرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب ضعف هذه الوجوه ، ثم نقول : هب أنها صحيحة ، ولكنه تعالى لما أخبر عن كفرهم وضلالهم ، وانهم لا يدخلون الجنة فقد توجه الاشكال لأن انقلاب علم الله تعالى جهلا محال ، والمفضي الى المحال محال ، ومما يدل على أن المراد من الآية أن الله تعالى أضلهم عن الدين قوله : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } فالمؤمنون في الدنيا انما كانوا يريدون من المنافقين الايمان ويحتالون في إدخالهم فيه . ثم قال تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } فوجب أن يكون معناه أنه تعالى لما أضلهم عن الايمان امتنع أن يجد المخلوق سبيلا الى ادخاله في الايمان ، وهذا ظاهر .