Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 67-73)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما قال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } [ الزخرف : 66 ] ذكر عقيبه بعض ما يتعلق بأحوال القيامة فأولها قوله تعالى : { ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } والمعنى { ٱلأَخِلاء } في الدنيا { يَوْمَئِذٍ } يعني في الآخرة { بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } يعني أن الخلة إذا كانت على المعصية والكفر صارت عداوة يوم القيامة { إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } يعني الموحدين الذين يخالل بعضهم بعضاً على الإيمان والتقوى ، فإن خلتهم لا تصير عداوة ، وللحكماء في تفسير هذه الآية طريق حسن ، قالوا إن المحبة أمر لا يحصل إلا عند اعتقاد حصول خير أو دفع ضرر ، فمتى حصل هذا الاعتقاد حصلت المحبة لا محالة ، ومتى حصل اعتقاد أنه يوجب ضرراً حصل البغض والنفرة ، إذا عرفت هذا فنقول : تلك الخيرات التي كان اعتقاد حصولها يوجب حصول المحبة ، إما أن تكون قابلة للتغير والتبدل ، أو لا تكون كذلك ، فإن كان الواقع هو القسم الأول ، وجب أن تبدل تلك المحبة بالنفرة ، لأن تلك المحبة إنما حصلت لاعتقاد حصول الخير والراحة ، فإذا زال ذلك الاعتقاد ، وحصل عقيبه اعتقاد أن الحاصل هو الضرر والألم ، وجب أن تتبدل تلك المحبة بالبغضة ، لأن تبدل العلة يوجب تبدل المعلول ، أما إذا كانت الخيرات الموجبة للمحبة ، خيرات باقية أبدية ، غير قابلة للتبدل والتغير ، كانت تلك المحبة أيضاً محبة باقية آمنة من التغير ، إذا عرفت هذا الأصل فنقول الذين حصلت بينهم محبة ومودة في الدنيا ، إن كانت تلك المحبة لأجل طلب الدنيا وطيباتها ولذاتها ، فهذه المطالب لا تبقى في القيامة ، بل يصير طلب الدنيا سبباً لحصول الآلام والآفات في يوم القيامة ، فلا جرم تنقلب هذه المحبة الدنيوية بغضة ونفرة في القيامة ، أما إن كان الموجب لحصول المحبة في الدنيا الاشتراك في محبة الله وفي خدمته وطاعته ، فهذا السبب غير قابل للنسخ والتغير ، فلا جرم كانت هذه المحبة باقية في القيامة ، بل كأنها تصير أقوى وأصفى وأكمل وأفضل مما كانت في الدنيا ، فهذا هو التفسير المطابق لقوله تعالى : { ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } ، الحكم الثاني : من أحكم يوم القيامة ، وقوله تعالى : { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } وقد ذكرنا مراراً أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد ، بالمؤمنين المطيعين المتقين ، فقوله { يا عِبَادِ } كلام الله تعالى ، فكأن الحق يخاطبهم بنفسه ويقول لهم { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } وفيه أنواع كثيرة مما يوجب الفرح أولها : أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطة وثانيها : أنه تعالى وصفهم بالعبودية ، وهذا تشريف عظيم ، بدليل أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ، قال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] وثالثها : قوله { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } فأزال عنهم الخوف في يوم القيامة بالكلية ، وهذا من أعظم النعم ورابعها : قوله { وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } فنفى عنهم الحزن بسبب فوت الدنيا الماضية . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } قيل { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مبتدأ ، وخبره مضمر ، والتقدير يقال لهم : أدخلوا الجنة ، ويحتمل أن يكون المعنى أعني الذين آمنوا ، قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة ، نادى منادٍ { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم ، فيقال { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } فتنكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم الحكم الثالث : من وقائع القيامة ، أنه تعالى إذا أمن المؤمنين من الخوف والحزن ، وجب أن يمر حسابهم على أسهل الوجوه وعلى أحسنها ، ثم يقال لهم { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ } والحبرة المبالغة في الإكرام فيما وصف بالجميل ، يعني يكرمون إكراماً على سبيل المبالغة ، وهذا مما سبق تفسيره في سورة الروم . ثم قال : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ } قال الفراء : الكوب المستدير الرأس الذي لا أذن له ، فقوله { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مِّن ذَهَبٍ } إشارة إلى المطعوم ، وقوله { وَأَكْوابٍ } إشارة إلى المشروب ، ثم إنه تعالى ترك التفصيل وذكر بياناً كلياً ، فقال : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . ثم قال : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وقد ذكرنا في وراثة الجنة وجهين في قوله { أُوْلَــٰئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } [ المؤمنون : 10 ، 11 ] ولما ذكر الطعام والشراب فيما تقدم ، ذكر ههنا حال الفاكهة ، فقال : { لَكُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ } . واعلم أنه تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب أولاً ، ثم إلى العالمين ثانياً ، والعرب كانوا في ضيق شديد بسبب المأكول والمشروب والفاكهة ، فلهذا السبب تفضل الله تعالى عليهم بهذه المعاني مرة بعد أخرى ، تكميلاً لرغبتهم وتقوية لدواعيهم .