Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 74-80)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعد ، أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : احتج القاضي على القطع بوعيد الفسق بقوله { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ولفظ المجرم يتناول الكافر والفاسق ، فوجب كون الكل في عذاب جهنم ، وقوله { خَـٰلِدُونَ } يدل على الخلود ، وقوله أيضاً { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } يدل على الخلود والدوام أيضاً والجواب : أن ما قبل هذه الآية وما بعدها ، يدل على أن المراد من لفظ المجرمين ههنا الكفار ، أما ما قبل هذه الآية فلأنه قال : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانوا مُسْلِمِينَ } [ الزخرف : 68 ، 69 ] فهذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكانوا مسلمين ، فإنهم يدخلون تحت قوله { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله تعالى وبآياته وأسلم ، فوجب أن يكون داخلاً تحت ذلك الوعد ، ووجب أن يكون خارجاً عن هذا الوعيد ، وأما ما بعد هذه الآية فهو قوله { جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ } والمراد بالحق ههنا إما الإسلام وإما القرآن ، والرجل المسلم لا يكره الإسلام ولا القرآن ، فثبت أن ما قبل هذه الآية وما بعدها ، يدل على أن المراد من المجرمين الكفار ، والله أعلم . المسألة الثانية : أنه تعالى وصف عذاب جهنم في حق المجرمين بصفات ثلاثة أحدهما : الخلود ، وقد ذكرنا في مواضع كثيرة أنه عبارة عن طول المكث ولا يفيد الدوام وثانيها : قوله : { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } أي لا يخفف ولا ينقص من قولهم فترت عنه الحمى إذا سكنت ونقص حرها وثالثها : قوله { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } والمبلس اليائس الساكت سكوت يائس من فرج ، عن الضحاك يجعل المجرم في تابوت من نار ، ثم يقفل عليه فيبقى فيه خالداً لا يرى ، قال صاحب « الكشاف » : وقرىء { وَهُمْ فِيهَا } أي وهم في النار . المسألة الثالثة : احتج القاضي بقوله تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فقال إن كان خلق فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفه بقوله { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه ؟ أو ليس لو أثبتناه ظلماً لهم كان لا يزيد على ما يقوله القوم ، فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزّ وجل فقط ، بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معاً ، فلم يكن ذلك ظلماً من الله . قلنا : عندكم أن القدرة على الظلم موجبة للظلم ، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى ، فكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج عن أن يكون ظالماً لهم ، وذلك محال لأن من يكون ظالماً في فعل ، فإذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون بذلك أحق ، فيقال للقاضي قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعينة لأحد الطرفين ؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إن وقع لا لمرجع لزم نفي الصانع ، وإن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم الأول فيه ، ولا بد وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله في العبد ، وإن كانت متعينة لأحد الطرفين فحينئذٍ يلزمك ما أوردته علينا . واعلم أنه ليس الرجل من يرى وجه الاستدلال فيذكره ، إنما الرجل الذي ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده ، فإن رآه وارداً على مذهبه بعينه لم يذكره ، والله أعلم . المسألة الرابعة : قرأ ابن مسعود { يا مال } بحذف الكاف للترخيم فقيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ ونادوا يا مال فقال : ما أشغل أهل النار عن هذا الترخيم ! واجيب عنه بأنه إنما حسن هذا الترخيم لأنه يدل على أنهم بلغوا في الضعف والنحافة إلى حيث لا يمكنهم أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها . المسألة الخامسة : اختلفوا في أن قولهم { يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } على أي وجه طلبوا فقال بعضهم على التمني ، وقال آخرون على وجه الاستغاثة ، وإلا فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم عن ذلك العقاب ، وقيل لا يبعد أن يقال إنهم لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا تلك المسألة فذكروه على وجه الطلب . ثم إنه تعالى بيّـن أن مالكاً يقول لهم { إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ } وليس في القرآن متى أجابهم ، هل أجابهم في الحال أو بمدة طويلة ، وإن كان بعد ذلك فهل حصل ذلك الجواب بعد ذلك السؤال بمدة قليلة أو بمدة طويلة ، فلا يمتنع أن تؤخر الإجابة استخفافاً بهم وزيادة في غمهم ، فعن عبد الله بن عمر بعد أربعين سنة ، وعن غيره بعد مائة سنة ، وعن ابن عباس بعد ألف سنة ، والله أعلم بذلك المقدار . ثم بيّـن تعالى أن مالكاً لما أجابهم بقوله { إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ } ذكر بعده ما هو كالعلة لذلك الجواب فقال : { لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ } والمراد نفرتهم عن محمد وعن القرآن وشدة بغضهم لقبول الدين الحق ، فإن قيل كيف قال : { وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ } بعد ما وصفهم بالإبلاس ؟ قلنا تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة ، فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم ، روي أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيقولون ادعوا مالكاً فيدعون { يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفساد باطنهم في الدنيا فقال : { أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } والمعنى أم أبرموا أي مشركو مكة أمراً من كيدهم ومكرهم برسول الله ، فإنا مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [ الطور : 42 ] قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر به في دار الندوة ، وهو ما ذكره الله تعالى في قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 30 ] وقد ذكرنا القصة . ثم قال : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوٰهُم } السر ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال ، والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم { بَلَىٰ } نسمعها ونطلع عليها { وَرُسُلُنَا } يريد الحفظة { يَكْتُبُونَ } عليهم تلك الأحوال ، وعن يحيى بن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق .