Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 30-39)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بيّـن كيفية إهلاك فرعون وقومه بيّـن كيفية إحسانه إلى موسى وقومه . واعلم أن دفع الضرر مقدم على إيصال النفع فبدأ تعالى ببيان دفع الضرر عنهم فقال : { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرٰءيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والإتعاب في الأعمال الشاقة . ثم قال : { مِن فِرْعَوْنَ } وفيه وجهان : الأول : أن يكون التقدير من العذاب المهين الصادر من فرعون الثاني : أن يكون فرعون بدلاً من العذاب المهين كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم . قال صاحب « الكشاف » وقرىء { مِنْ عَذَابِ ٱلْمُهِينِ } وعلى هذه القراءة فالمهين هو فرعون لأنه كان عظيم السعي في إهانة المحقين . وفي قراءة ابن عباس { مِن فِرْعَوْنَ } وهو بمعنى الاستفهام وقوله { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفينَ } جوابه كأن التقدير أن يقال هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته ؟ ثم عرف حاله بقوله { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفينَ } أي كان عالي الدرجة في طبقة المفسرين ، ويجوز أن يكون المراد { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً } لقوله { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] وكان أيضاً مسرفاً ومن إسرافه أنه على حقارته وخسته ادعى الإلهية ، ولما بيّن الله تعالى أنه كيف دفع الضرر عن بني إسرائيل وبيّـن أنه كيف أوصل إليهم الخيرات فقال : { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } وفيه بحثان : البحث الأول : أن قوله { عَلَىٰ عِلْمٍ } في موضع الحال ثم فيه وجهان أحدهما : أي عالمين بكونهم مستحقين لأن يختاروا ويرجحوا على غيرهم والثاني : أن يكون المعنى مع علمنا بأنهم قد يزيغون ويصدر عنهم الفرطات في بعض الأحوال . البحث الثاني : ظاهر قوله { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } يقتضي كونهم أفضل من كل العالمين فقيل المراد على عالمي زمانهم ، وقيل هذا عام دخله التخصيص كقوله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] . ثم قال تعالى : { وَءَاتَيْنَـٰهُم مِنَ ٱلآيَـٰتِ } مثل فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ، وغيرها من الآيات القاهرة التي ما أظهر الله مثلها على أحد سواهم { بلاء مبين } أي نعمة ظاهرة ، لأنه تعالى لما كان يبلو بالمحنة فقد يبلو أيضاً بالنعمة اختباراً ظاهراً ليتميز الصديق عن الزنديق ، وهٰهنا آخر الكلام في قصة موسى عليه السلام ثم رجع إلى ذكر كفار مكة ، وذلك لأن الكلام فيهم حيث قال : { بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ } أي بل هم في شك من البعث والقيامة ، ثم بيّـن كيفية إصرارهم على كفرهم ، ثم بيّـن أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر على هذه القصة ، ثم بيّـن كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ، ثم رجع إلى الحديث الأول ، وهو كون كفار مكة منكرين للبعث ، فقال : { إِنَّ هَـؤُلاَء لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } فإن قيل القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية فكان من حقهم أن يقولوا : إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين ؟ قلنا إنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تعقبها حياة ، كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد تعقبها حياة ، وذلك قوله { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ } يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية ، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقيب الحياة لها إلا الموتة الأولى خاصة ، فلا فرق إذاً بين هذا الكلام وبين قوله { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } هذا ما ذكره صاحب « الكشاف » : ويمكن أن يذكر فيه وجه آخر ، فيقال قوله { إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُولَىٰ } يعني أنه لا يأتينا شيء من الأحوال إلا الموتة الأولى ، وهذا الكلام يدل على أنهم لا تأتيهم الحياة الثانية ألبتة ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } فلا حاجة إلى التكلف الذي ذكره صاحب « الكشاف » . ثم قال تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } يقال نشر الله الموتى وأنشرهم إذا بعثهم ، ثم إن الكفار احتجوا على نفي الحشر والنشر بأن قالوا : إن كان البعث والنشور ممكنً معقولاً فجعلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بأن تسألوا ربكم ذلك ، حتى يصير ذلك دليلاً عندنا على صدق دعواكم في النبوة والبعث في القيامة ، قيل طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله حتى ينشر قصي بن كلاب ليشاوروه في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي صحة البعث ، ولما حكى الله عنهم ذلك قال : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَـٰهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } والمعنى أن كفار مكة لم يذكروا في نفي الحشر والنشر شبهة حتى يحتاج إلى الجواب عنها ، ولكنهم أصروا على الجهل والتقليد في ذلك الإنكار ، فلهذا السبب اقتصر الله تعالى على الوعيد ، فقال إن سائر الكفار كانوا أقوى من هؤلاء ، ثم إن الله تعالى أهلكهم فكذلك يهلك هؤلاء ، فقوله تعالى : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } استفهام على سبيل الإنكار ، قال أبو عبيدة : ملوك اليمن كان كل واحد منهم يسمى تبعاً لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه ، وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظم من ملوك العرب قالت عائشة ، كان تبع رجلاً صالحاً ، وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه ، قال الكلبي هو أبو كرب أسعد ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " " لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم ما أدري أكان تبع نبياً أو غير نبي " فإن قيل ما معنى قوله { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } مع أنه لا خير في الفريقين ؟ قلنا معناه أهم خير في القوة والشوكة ، كقوله { أَكُفَّـٰرُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـٰئِكُمْ } [ القمر : 43 ] بعد ذكر آل فرعون ، ثم إنه تعالى ذكر الدليل القاطع على القول بالبعث والقيامة ، فقال : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأًرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } ولو لم يحصل البعث لكان هذا الخلق لعباً وعبثاً ، وقد مرّ تقرير هذه الطريقة بالاستقصاء في أول سورة يونس ، وفي آخر سورة { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } حيث قال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً } [ المؤمنون : 115 ] وفي سورة ص حيث قال : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهم باطلاً } [ ص : 27 ] . ثم قال : { مَا خَلَقْنَـٰهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } والمراد أهل مكة ، وأما استدلال المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر والفسق ولا يريدهما فهو مع جوابه معلوم ، والله أعلم .