Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 40-50)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن المقصود من قوله { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] إثبات القول بالبعث والقيامة ، فلا جرم ذكر عقيبه قوله { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَـٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ } وفي تسمية يوم القيامة بيوم الفصل وجوه الأول : قال الحسن : يفصل الله فيه بين أهل الجنة وأهل النار الثاني : يفصل في الحكم والقضاء بين عباده الثالث : أنه في حق المؤمنين يوم الفصل ، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يكرهه ، وفي حق الكفار ، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يريده ، الرابع : أنه يظهر حال كل أحد كما هو ، فلا يبقى في حاله ريبة ولا شبهة ، فتنفصل الخيالات والشبهات ، وتبقى الحقائق والبينات ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى أن يوم يفصل الرحمن بين عباده ميقاتهم أجمعين البر والفاجر ، ثم وصف ذلك اليوم فقال : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } يريد قريب عن قريب { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ليس لهم ناصر ، والمعنى أن الذي يتوقع منه النصرة إما القريب في الدين أو في النسب أو المعتق ، وكل هؤلاء يسمون بالمولى ، فلما لم تحصل النصرة منهم فبأن لا تحصل ممن سواهم أولى ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } إلى قوله { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ البقرة : 123 ] قال الواحدي : والمراد بقوله { مَوْلًى عَن مَّوْلًى } الكفار ألا ترى أنه ذكر المؤمن فقال : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المؤمن فإنه تشفع له الأنبياء والملائكة . اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على أن القول بالقيامة حق ، ثم أردفه بوصف ذلك اليوم ذكر عقيبه وعيد الكفار ، ثم بعده وعد الأبرار ، أما وعيد الكفار فهو قوله { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال صاحب « الكشاف » قرىء { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ } بكسر الشين ، ثم قال وفيها ثلاث لغات : شجرة بفتح الشين وكسرها ، وشيرة بالياء ، وشبرة بالباء . المسألة الثانية : لبحث عن اشتقاق لفظ الزقوم قد تقدم في سورة والصافات ، فلا فائدة في الإعادة . المسألة الثالثة : قالت المعتزلة : الآية تدل على حصول هذا الوعيد الشديد للأثيم ، والأثيم هو الذي صدر عنه الإثم ، فيكون هذا الوعيد حاصلاً للفساق والجواب : أنا بينا في أصول الفقه أن اللفظ المفرد الذي دخل عليه حرف التعريف الأصل فيه أن ينصرف إلى المذكور السابق ، ولا يفيد العموم ، وههنا المذكور السابق هو الكافر ، فينصرف إليه . المسألة الرابعة : مذهب أبي حنيفة أن قراءة القرآن بالمعنى جائز ، واحتج عليه بأنه نقل أن ابن مسعود كان يقرىء رجلاً هذه الآية فكان يقول : طعام اللئيم ، فقال قل طعام الفاجر ، وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه . ثم قال : { كَٱلْمُهْلِ } قرىء بضم الميم وفتحها وسبق تفسيره في سورة الكهف ، وقد شبه الله تعالى هذا الطعام بالمهل ، وهو دردى الزيت وعكر القطران ومذاب النحاس وسائر الفلزات ، وتمّ الكلام ههنا ، ثم أخبر عن غليانه في بطون الكفار فقال : { يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } وقرىء بالتاء فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الشجرة ، ومن قرأ بالياء حمله على الطعام في قوله { طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } لأن الطعام هو ثمر الشجرة في المعنى ، واختار أبو عبيد الياء لأن الاسم المذكور يعني المهل هو الذي بل الفعل فصار التذكير به أولى ، واعلم أنه لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل لأن المهل مشبه به ، وإنما يغلي ما يشبه بالمهل كغلي الحميم والماء إذا اشتد غليانه فهو حميم . ثم قال : { خُذُوهُ } أي خذوا الأثيم { فَٱعْتِلُوهُ } قرىء بكسر التاء ، قال الليث : العتل أن تأخذ بمنكث الرجل فتعتله أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو منحة ، وأخذ فلان بزمام الناقة يعتلها وذلك إذا قبض على أصل الزمام عند الرأس وقادها قوداً عنيفاً ، وقال ابن السكيت عتلته إلى السجن وأعتلته إذا دفعته دفعاً عنيفاً ، هذا قول جميع أهل اللغة في العتل ، وذكروا في اللغتين ضم التاء وكسرها وهما صحيحان مثل يعكفون ويعكفون ، ويعرشون ويعرشون . قوله تعالى : { إِلَىٰ سَوَاء ٱلْجَحِيمِ } أي إلى وسط الجحيم { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } وكان الأصل أن يقال : ثم صبوا من فوق رأسه الحميم أو يصب من فوق رؤوسهم الحميم إلا أن هذه الاستعارة أكمل في المبالغة كأنه يقول : صبوا عليه عذاب ذلك الحميم ، ونظيره قوله تعالى : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } [ البقرة : 25 ] و { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] وذكروا فيه وجوهاً الأول : أنه يخاطب بذلك على سبيل الاستهزاء ، والمراد إنك أنت بالضد منه والثاني : أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً والثالث : أنك كنت تعتز لا بالله فانظر ما وقعت فيه ، وقرىء أنك بمعنى لأنك . ثم قال : { إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } أي أن هذا العذاب ما كنتم به تمترون أي تشكون ، والمراد منه ما ذكره في أول السورة حيث قال : { بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ } [ الدخان : 9 ] .