Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 12-15)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى ذكر الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر وذلك لا يحصل إلا بسبب تسخير ثلاثة أشياء أحدها : الرياح التي تجري على وفق المراد ثانيها : خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك ثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغوص فيه . وهذه الأحوال الثلاثة لا يقدر عليها واحد من البشر ، فلا بد من موجد قادر عليها وهو الله سبحانه وتعالى ، وقوله { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } معناه إما بسبب التجارة ، أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان ، أو لأجل استخراج اللحم الطري . ثم قال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ } والمعنى لولا أن الله تعالى أوقف أجرام السموات والأرض في مقارها وأحيازها لما حصل الانتفاع ، لأن بتقدير كون الأرض هابطة أو صاعدة لم يحصل الانتفاع بها ، وبتقدير كون الأرض من الذهب والفضة أو الحديد لم يحصل الانتفاع ، وكل ذلك قد بيناه ، فإن قيل ما معنى { مِنْهُ } في قوله { جَمِيعاً مّنْهُ } ؟ قلنا معناه أنها واقعة موقع الحال ، والمعنى أنه سخّر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده يعني أنه تعالى مكونها وموجودها بقدرته وحكمته ثم مسخرها لخلقه ، قال صاحب « الكشاف » قرأ سلمة بن محارب منه على أن يكون منه فاعل سخر على الإسناد المجازي أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذلك منه أو هو منه . واعلم أنه تعالى لم علم عباده دلائل التوحيد والقدرة والحكمة ، أتبع ذلك بتعليم الأخلاق الفاضلة والأفعال الحميدة بقوله { قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } والمراد بالذين لا يرجون أيام الله الكفار ، واختلفوا في سبب نزول الآية قال ابن عباس { قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني عمر { يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } يعني عبد الله بن أُبي ، وذلك أنهم نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع ، فأرسل عبد الله غلامة ليستقي الماء فأبطأ عليه ، فلما أتاه قال له ما حبسك ؟ قال غلام عمر قعد على طرف البئر فما ترك أحد يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر وملأ لمولاه ، فقال عبد الله ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك ، فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال مقاتل شتم رجل من كفار قريش عمر بمكة فهم أن يبطش به فأمر الله بالعفو والتجاوز وأنزل هذه الآية . وروى ميمون بن مهران أن فنحاص اليهودي لما أنزل قوله { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } [ البقرة : 245 ] قال احتاج رب محمد ، فسمع بذلك عمر فاشتمل على سيفه وخرج في طلبه ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى رده ، وقوله { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } قال ابن عباس لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عقاب الأمم الخالية ، وذكرنا تفسير أيام الله عند قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] وأكثر المفسرين يقولون إنه منسوخ ، وإنما قالوا ذلك لأنه يدخل تحت الغفران أو لا يقتلوا ، فما أمر الله بهذه المقاتلة كان نسخاً ، والأقرب أن يقل إنه محمول على ترك المنازعة في المحقرات على التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية والأفعال الموحشة . ثم قال تعالى : { لِيَجْزِىَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي لكي يجازي بالمغفرة قوماً يعملون الخير ، قإن قيل : ما الفائدة في التنكير في قوله { ليجزي قَوْماً } مع أن المراد بهم هم المؤمنون المذكورون في قوله { قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ } ؟ قلنا التنكير يدل على تعظيم شأنهم كأنه قيل : ليجزي قوماً وأي قوم من شأنهم الصفح عن السيئات والتجاوز عن المؤذيات وتحمل الوحشة وتجرع المكروه ، وقال آخرون معنى الآية قل للمؤمنين يتجاوزوا عن الكفار ، ليجزي الله الكفار بما كانوا يكسبون من الإثم ، كأنه قيل لهم لا تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن ، ثم ذكر الحكم العام فقال : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون { وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } مثل ضربه للكفار الذين كانوا يقدمون على إيذاء الرسول والمؤمنين وعلى ما لا يحل ، فبيّـن تعالى أن العمل الصالح يعود بالنفع العظيم على فاعله ، والعمل الردىء يعود بالضرر على فاعله ، وأنه تعالى أمر بهذا ونهى عن ذلك لحظ العبد لا لنفع يرجع إليه ، وهذ ترغيب منه في العمل الصالح وزجر عن العمل الباطل .