Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 27-31)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واعلم أنه تعالى لما احتج بكونه قادراً على الإحياء في المرة الأولى ، وعلى كونه قادراً على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة ، عمم الدليل فقال : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي لله القدرة على جميع الممكنات سواء كانت من السموات أو من الأرض ، وإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كل الممكنات ، وثبت أن حصول الحياة في هذه الذات ممكن ، إذ لو لم يكن ممكناً لما حصل في المرة الأولى فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادراً على الإحياء في المرة الثانية . ولما بيّن تعالى إمكان القول بالحشر والنشر بهذين الطريقين ، ذكر تفاصيل أحوال القيامة فأولها : قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } وفيه أبحاث : البحث الأول : عامل النصب في يوم تقوم يخسر ، ويومئذ بدل من يوم تقوم . البحث الثاني : قد ذكرنا في مواضع من هذا الكتاب أن الحياة والعقل والصحة كأنها رأس المال ، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخرة يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح ، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلا الحرمان والخذلان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران وثانيها : قوله تعالى : { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } قال الليث الجثو الجلوس على الركب كما يجثى بين يدي الحاكم ، قال الزجاج ومثله جذا يجذو ، قال صاحب « الكشاف » : وقرىء جاذية ، قال أهل اللغة والجذو أشد استيفازاً من الجثو ، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وعن ابن عباس جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها . ثم قال تعالى : { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } على الابتداء وكل أمة على الإبدال من كل أمة ، وقوله { إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } أي إلى صحائف أعمالها ، فاكتفى باسم الجنس كقوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] والظاهر أنه يدخل فيه المؤمنون والكافرون لقوله تعالى بعد ذلك { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } . ثم قال تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فإن قيل الجثو على الركبة إنما يليق بالخائف والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة ، قلنا إن المحق الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقاً . ثم قال تعالى : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ } والتقدير يقال لهم اليوم تجزون ، فإن قيل كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى ؟ قلنا لا منافاة بين الأمرين لأنه كتابهم بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه { يَنطِقُ عَلَيْكُم } أي يشهد عليكم بما عملتم من غير زيادة ولا نقصان { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } الملائكة { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي نستكتبهم أعمالكم . ثم بيّن أحوال المطيعين فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكر بعد وصفهم بالإيمان كونهم عاملين للصالحات ، فوجب أن يكون عمل الصالحات مغايراً للإيمان زائداً عليه . المسألة الثانية : قالت المعتزلة علق الدخول في رحمة الله على كونه آتياً بالإيمان والأعمال الصالحة ، والمعلق على مجموع أمرين يكون عدماً عند عدم أحدهما ، فعند عدم الأعمال الصالحة وجب أن لا يحصل الفوز بالجنة وجوابنا : أن تعليق الحكم على الوصف لا يدل على عدم الحكم عند عدم الوصف . المسألة الثالثة : سمى الثواب رحمة والرحمة إنما تصح تسميتها بهذا الاسم إذا لم تكن واجبة ، فوجب أن لا يكون الثواب واجباً على الله تعالى . ثم قال تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قسماً ثالثاً وهذا يدل على أن مذهب المعتزلة إثبات المنزلتين باطل . المسألة الثانية : أنه تعالى علل أن استحقاق العقوبة بأن آياته تليت عليهم فاستكبروا عن قبولها ، وهذا يدل على استحقاق العقوبة لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع ، وذلك يدل على أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع ، خلافاً لما يقوله المعتزلة من أن بعض الواجبات قد يجب بالعقل . المسألة الثالثة : جواب { أَمَّا } محذوف والتقدير : وأما الذين كفروا فيقال لهم : أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم عن قبول الحق وكنتم قوماً مجرمين فإن قالوا كيف يحسن وصف الكافر بكونه مجرماً في معرض الطعن فيه والذم له ؟ قلنا معناه أنهم مع كونهم كفاراً ما كانوا عدولاً في أديان أنفسهم ، بل كانوا فساقاً في ذلك الدين ، والله أعلم .