Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 17-17)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بيّن الله تعالى أن المنافق يستمع ولا ينتفع ، ويستعيد ولا يستفيد ، بين أن حال المؤمن المهتدي بخلافه ، فإنه يستمع فيفهم ، ويعمل بما يعلم ، والمنافق يستعيد ، والمهتدي يفسر ويعيد ، وفيه فائدتان إحداهما : ما ذكرنا من بيان التباين بين الفريقين وثانيهما : قطع عذر المنافق وإيضاح كونه مذموم الطريقة ، فإنه لو قال ما فهمته لغموضه وكونه معمى ، يرد عليه ويقول ليس كذلك ، فإن المهتدي فهم واستنبط لوازمه وتوابعه ، فذلك لعماء القلوب ، لا لخفاء المطلوب وفيه مسائل : المسألة الأولى : ما الفاعل للزيادة في قوله { زَادَهُمْ } ؟ نقول فيه وجوه الأول : المسموع من النبي عليه الصلاة والسلام من كلام الله وكلام الرسول يدل عليه قوله { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [ محمد : 16 ] فإنه يدل على مسموع ، والمقصود بيان التباين بين الفريقين ، فكأنه قال : هم لم يفهموه ، وهؤلاء فهموه والثاني : أن الله تعالى زادهم ويدل عليه قوله تعالى : { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ محمد : 16 ] وكأنه تعالى طبع على قلوبهم فزادهم عمى ، والمهتدين زاده هدىً والثالث : استهزاء المنافق زاد المهتدي هدى ، ووجهه أنه تعالى لما قال : { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } قال : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ } اتباعهم الهدى هدى ، فإنهم استقبحوا فعلهم فاجتنبوه . المسألة الثانية : ما معنى قوله { وآتاهم تقواهم } ؟ نقول فيه وجوه منقولة ومستنبطة ، أما المنقولة فنقول : قيل فيه إن المراد آتاهم ثواب تقواهم ، وقيل آتاهم نفس تقواهم من غير إضمار ، يعني بيّن لهم التقوى ، وقيل آتاهم توفيق العمل بما علموا . وأما المستنبط فنقول : يحتمل أن يكون المراد به بيان حال المستمعين للقرآن الفاهمين لمعانيه المفسرين له بياناً لغاية الخلاف بين المنافق ، فإنه استمع ولم يفهمه ، وستعاد ولم يعلمه ، والمهتدي فإنه علمه وبينه لغيره ، ويدل عليه قوله تعالى : { زَادَهُمْ هُدىً } ولم يقل اهتداء ، والهدى مصدر من هدى ، قال الله تعالى : { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] أي خذ بما هدوا واهتد كما هدوا ، وعلى هذا فقوله تعالى : { وآتاهم تقواهم } معناه جنبهم عن القول في القرآن بغير برهان ، وحملهم على الاتقاء من التفسير بالرأي ، وعلى هذا فقوله { زَادَهُمْ هُدىً } معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله { زَادَهُمْ هُدىً } إشارة إلى العلم { وآتاهم تقواهم } إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه ، وهو مستنبط من قوله تعالى : { فَبَشّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [ الزمر : 17 ، 18 ] وقوله { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ } [ آل عمران : 7 ] . المعنى الثالث : يحتمل أن يكون المراد بيان أن المخلص على خطر فهو أخشى من غيره ، وتحقيقه هو أنه لما قال : { زَادَهُمْ هُدىً } أفاد أنهم ازداد علمهم ، وقال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } [ فاطر : 28 ] فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم . والمعنى الرابع : تقواهم من يوم القيامة كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } [ لقمان : 33 ] ويدل عليه قوله تعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } [ محمد : 18 ] كأن ذكر الساعة عقيب التقوى يدل عليه . المعنى الخامس : آتاهم تقواهم ، التقوى التي تليق بالمؤمن ، وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 39 ] وكذلك قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [ الأحزاب : 1 ] وهذا الوجه مناسب لأن الآية لبيان تباين الفريقين ، وهذا يحقق ذلك ، من حيث إن المنافق كان يخشى الناس وهم الفريقان ، المؤمنون والكافرون فكان يتردد بينهما ويرضي الفريقين ويسخط الله فقال الله تعالى المؤمن المهتدي بخلاف المنافق حيث علم ذاك ولم يعلم ذلك واتقى الله لا غير ، واتقى ذلك غير الله .