Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-11)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بيّن حال المنافقين ذكر المتخلفين ، فإن قوماً من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لظنهم أنه يهزم ، فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة ، فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا ، وقولهم { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما : قولهم { أَمْوَالُنَا } ولم يقولوا شغلتنا الأموال ، وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذراً لأنه لا نهاية له ، وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذراً ، فقالوا { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا } أي ما صار مالاً لنا لا مطلق الأموال وثانيهما : قوله تعالى : { وَأَهْلُونَا } وذلك لو أن قائلاً قال لهم : المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لكان لهم أن يقولوا : فالأهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور ، ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة ، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج ، فكذبهم الله تعالى فقال : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } وهذا يحتمل أمرين أحدهما : أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا ، ولم يكن في اعتقادهم ذلك ، بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما : قالوا { شَغَلَتْنَا } إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير ، ولم يكن ذلك في اعتقادهم ، بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يقهرون ويغلبون ، كما قال بعده { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } [ الفتح : 12 ] وقوله { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } معناه أنكم تحترزون عن الضرر . وتتركون أمر الله ورسوله ، وتقعدون طلباً للسلامة ، ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من الله شيئاً ، أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو ، فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك ، فمن يدفع عنكم عذاب الله في الآخرة ، مع أن ذلك أولى بالاحتراز ، وقد ذكرنا في سورة يۤس في قوله تعالى : { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرّ } [ يۤس : 23 ] أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر ، فقال : { إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرّ } [ الزمر : 38 ] وقال : { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } [ الأنعام : 17 ] وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر ، فقال ههنا { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } وقال : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً } [ الأحزاب : 17 ] وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك ، ولا نعيده ليكون هذا باعثاً على مطالعة تفسير سورة يّس ، فإنها درج الدرر اليتيمة ، { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره .