Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-103)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما منع الناس من البحث عن أمور ما كلفوا بالبحث عنها كذلك منعهم عن التزام أمور ما كلفوا التزامها ، ولما كان الكفار يحرمون على أنفسهم الانتفاع بهذه الحيوانات وإن كانوا في غاية الاحتياج إلى الانتفاع بها ، بيّـن تعالى أن ذلك باطل فقال : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } . المسألة الثانية : أعلم أنه يقال : فعل وعمل وطفق وجعل وأنشأ وأقبل ، وبعضها أعم من بعض ، وأكثرها عموماً فعل ، لأنه واقع على أعمال الجوارح وأعمال القلوب ، أما إنه واقع على أعمال الجوارح فظاهر ، وأما إنه واقع على أعمال القلوب ، فالدليل عليه قوله تعالى : { لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء نَّحْنُ وَلا ءابَاؤُنَا } إلى قوله { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ النحل : 35 ] وأما عمل فإنه أخص من فعل ، لأنه لا يقع إلا على أعمال الجوارح ، ولا يقع على الهم والعزم والقصد ، والدليل عليه قوله عليه السلام : " " نية المؤمن خير من عمله " " جعل النية خيراً من العمل ، فلو كانت النية عملاً ، لزم كون النية خيراً من نفسها ، وأما جعل فله وجوه : أحدها : الحكم ومنه قوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ عَمَّ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [ الزخرف : 19 ] وثانيها : الخلق ، ومنه قوله : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } [ الانعام : 1 ] . وثالثها : بمعنى التصيير ومه قوله { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } [ الزخرف : 3 ] . إذا عرفت هذا فنقول : قوله { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ } أي ما حكم الله بذلك ولا شرع ولا أمر به . المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر ههنا أربعة أشياء : أولها : البحيرة : وهي فعيلة من البحر وهو الشق ، يقال : بحر ناقته إذا شق أذنها ، وهي بمعنى المفعول ، قال أبو عبيدة والزجاج : الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكراً شقوا أذن الناقة وامتنعوا من ركوبها وذبحها وسيبوها لآلهتهم ، ولا يجز لها وبر ، ولا يحمل على ظهرها ، ولا تطرد عن ماء ، ولا تمنع عن مرعى ، ولا ينتفع بها وإذا لقيها المعيي لم يركبها تحريجاً . وأما السائبة : فهي فاعلة من ساب إذا جرى على وجه الأرض يقال : ساب الماء وسابت الحية ، فالسائبة هي التي تركت حتى تسيب إلى حيث شاءت ، وهي المسيبة كعيشة راضية بمعنى مرضية ، وذكروا فيها وجوهاً : أحدها : ما ذكره أبو عبيدة ، وهو أن الرجل كان إذا مرض أو قدم من سفر أو نذر نذراً أو شكر نعمة سيب بعيراً ، فكان بمنزلة البحيرة في جميع ما حكموا لها ، وثانيها : قال الفراء : إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهن إناث ، سيبت فلم تركب ولم تحلب ولم يجز لها وبر ، ولم يشرب لبنها إلا ولد أو ضيف ، وثالثها : قال ابن عباس : السائبة هي التي تسيب للأصنام أي تعتق لها ، وكان الرجل يسيب من ماله ما يشاء ، فيجيء به إلى السدنة وهم خدم آلهتهم فيطعمون من لبنها أبناء السبيل ، ورابعها : السائبة هو العبد يعتق على أن لا يكون عليه ولاء ولا عقل ولا ميراث . وأما الوصيلة : فقال المفسرون : إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم ، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم ، فالوصيلة بمعنى الموصولة كأنها وصلت بغيرها ، ويجوز أن تكون بمعنى الواصلة لأنها وصلت أخاها ، وأما الحام فيقال : حماه يحميه إذا حفظه وفيه وجوه : أحدها : الفحل إذا ركب ولد ولده . قيل : حمى ظهره أي حفظه عن الركوب فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى إلى أن يموت فحينئذٍ تأكله الرجال والنساء . وثانيها : إذا نتجت الناقة عشرة أبطن قالوا حمت ظهرها حكاه أبو مسلم . وثالثها : الحام هو الفحل الذي يضرب في الإبل عشر سنين فيخلى ، وهو من الأنعام التي حرمت ظهورها ، وهو قول السدي . فإن قيل : إذا جاز إعتاق العبيد والإماء فلم لا يجوزإعتاق هذه البهائم من الذبح والاتعاب والايلام . قلنا : الإنسان مخلوق لخدمة الله تعالى وعبوديته ، فإذا تمرد عن طاعة الله تعالى عوقب بضرب الرق عليه ، فإذا أزيل الرق عنه تفرغ لعبادة الله تعالى ، فكان ذلك عبادة مستحسنة ، وأما هذه الحيوانات فإنها مخلوقة لمنافع المكلفين ، فتركها وإهمالها يقتضي فوات منفعة على مالكها من غير أن يحصل في مقابلتها فائدة ، فظهر الفرق ، وأيضاً الإنسان إذا كان عبداً فأعتق قدر على تحصيل مصالح نفسه ، وأما البهيمة إذا أعتقت وتركت لم تقدر على رعاية مصالح نفسها فوقعت في أنواع من المحنة أشد وأشق مما كانت فيها حال ما كانت مملوكة فظهر الفرق . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } قال المفسرون : إن عمرو بن لحي الخزاعي كان قد ملك مكة وكان أول من غير دين إسماعيل ، فاتخذ الأصنام ، ونصب الأوثان ، وشرع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه " " والقصب المعا وجمعه الاقصاب ، ويروي يجر قصبه في النار . قال ابن عباس : قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } يريد عمرو بن لحي وأصحابه يقولون على الله هذه الأكاذيب والأباطيل في تحريمهم هذه الأنعام ، والمعنى أن الرؤساء يفترون على الله على الكذب ، فأما الأتباع والعوام فأكثرهم لا يعقلون ، فلا جرم يفترون على الله هذه الأكاذيب من أولئك الرؤساء .