Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 105-105)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } في الآية مسائل : المسألة الأولى : لما بين أنواع التكاليف والشرائع والأحكام ثم قال : { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } [ المائدة : 99 ] إلى قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } [ المائدة : 104 ] فكأنه تعالى قال : إن هؤلاء الجهال مع ما تقدم من أنواع المبالغة في الاعذار والانذار والترغيب والترهيب لم ينتفعوا بشيء منه بل بقوا مصرين على جهلهم مجدين على جهالاتهم وضلالتهم ، فلا تبالوا أيها المؤمنون بجهالتهم وضلالتهم ، بل كونوا منقادين لتكاليف الله مطيعين لأوامره ونواهيه ، فلا يضركم ضلالتهم وجهالتهم ، فلهذا قال : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } . المسألة الثانية : قوله { عَلَيْكم أَنفُسَكُـمْ } أي احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والاصرار على الذنوب قال النحويون عليك وعندك ودونك من جملة أسماء الأفعال . تقول العرب : عليك وعندك ودونك ، فيعدونها إلى المفعول ويقيمونها مقام الفعل ، وينصبون بها ، فيقال : عليك زيداً كأنه قال : خذ زيداً فقد علاك ، أي أشرف عليك ، وعندك زيداً ، أي حضرك فخذه ودونك ، أي قرب منك فخذه ، فهذه الأحرف الثلاثة لا اختلاف بين النحويين في إجازة النصب بها ونقل صاحب « الكشاف » { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } بالرفع عن نافع . المسألة الثالثة : ذكروا في سبب النزول وجوها : أحدها : ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبل من أهل الكتاب الجزية ولم يقبل من العرب إلا الإسلام أو السيف ، عير المنافقون المؤمنين بقبول الجزية من بعض الكفار دون البعض ، فنزلت هذه الآية أي لا يضركم ملامة اللائمين إذا كنتم على الهدى ، وثانيها : أن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكفار في كفرهم وضلالتهم . فقيل لهم : عليكم أنفسكم ، وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طريق الهدى لا يضركم ضلال الضالين ولا جهل الجاهلين ، وثالثها : أنهم كانوا يغتمون لعشائرهم لما ماتوا على الكفر فنهوا عن ذلك ، والأقرب عندي أنه لما حكى عن بعضهم أنه إذا قيل لهم : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } [ المائدة : 104 ] ذكر تعالى هذه الآية ، والمقصود منها بيان أنه لا ينبغي للمؤمنين أن يتشبهوا بهم في هذه الطريقة الفاسدة ، بل ينبغي أن يكونوا مصرين على دينهم ، وأن يعلموا أنه لا يضرهم جهل أولئك الجاهلين إذا كانوا راسخين في دينهم ثابتين فيه . المسألة الرابعة : فإن قيل : ظاهر هذه الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب . قلنا الجواب عنه من وجوه : الأول : وهو الذي عليه أكثر الناس ، إن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يكون مؤاخذاً بذنوب العاصي ، فأما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالدلائل ، خطب الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرؤن هذه الآية { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } وتضعونها غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب " . " والوجه الثاني في تأول الآية : ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما قالا قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يكون هذا في آخر الزمان : قال ابن مسعود لما قرئت عليه هذه الآية ليس هذا بزمانها ، ما دامت قلوبكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً ووكل كل امرىء ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ، وهذا القول عندي ضعيف ، لأن قوله { ياأيهاَ ٱلَّذِينَ آمنوا } خطاب عام ، وهو أيضاً خطاب مع الحاضرين فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب . والوجه الثالث في تأويل الآية : ما ذهب إليه عبد الله بن المبارك فقال : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه قال : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار ، وهذا كقوله { فَٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] يعني أهل دينكم فقوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغب بعضكم بعضاً في الخيرات ، وينفره عن القبائح والسيئات ، والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } معناه احفظوا أنفسكم فكان ذلك أمراً بأن نحفظ أنفسنا فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك واجباً . والوجه الرابع : أن الآية مخصوصة بالكفار الذين علم أنه لا ينفعهم الوعظ ، ولا يتركون الكفر ، بسبب الأمر بالمعروف ، فهٰهنا لا يجب على الإنسان أن يأمرهم بالمعروف ، والذي يؤكد هذا القول ما ذكرنا في سبب النزول أن الآية نازلة في المنافقين ، حيث عيروا المسلمين بأخذ الجزية من أهل الكتاب دون المشركين . الوجه الخامس : أن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه أو على عرضه أو على ماله ، فهٰهنا عليه نفسه لا تضره ضلالة من ضل ولا جهالة من جهل ، وكان ابن شبرمة يقول : من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر . الوجه السادس : لا يضركم إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ضلال من ضل فلم يقبل ذلك . الوجه السابع : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة ، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم . والوجه الثامن : أنه تعالى قال لرسوله { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } [ النساء : 84 ] وذلك لا يدل على سقوط الأمر بالمعروف عن الرسول فكذا هٰهنا . المسألة الخامسة : قريء لا يضركم بفتح الراء مجزوماً على جواب قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } وقريء بضم الراء ، وفيه وجهان : أحدهما : على وجه الخبر أي ليس يضركم من ضل ، والثاني : أن حقها الفتح على الجواب ولكن ضمت الراء اتباعاً لضمة الضاد . ثم قال تعالى : { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } يريد مصيركم ومصير من خالفكم { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني يجازيكم بأعمالكم .