Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 70-70)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أعلم أن المقصود بيان عتو بني إسرائيل وشدة تمردهم عن الوفاء بعهد الله ، وهو متعلق بما افتتح الله به السورة ، وهو قوله { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] فقال { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } يعني خلقنا الدلائل وخلقنا العقل الهادي إلى كيفية الاستدلال ، وأرسلنا إليهم رسلاً بتعريف الشرائع والأحكام . وقوله { كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ } جملة شرطية وقعت صفة لقوله { رُسُلاً } والراجع محذوف ، والتقدير : كلما جاءهم رسول منهم بما لا تهوى أنفسهم ، أي بما يخالف أهواءهم وما يضاد شهواتهم من مشاق التكليف . وههنا سؤالات : الأول : أي جواب الشرط ؟ فإن قوله { فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } لا يصلح أن يكون جواباً لهذا الشرط ، لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين . والجواب : أن جواب الشرط محذوف ، وإنما جاز حدفه لأن الكلام المذكور دليل عليه ، والتقدير : كلما جاءهم رسول ناصبوه ، ثم إنه قيل : فكيف ناصبوه ؟ فقيل : فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون . وقوله : الرسول الواحد لا يكون فريقين . فنقول : إن قوله { كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ } يدل على كثرة الرسل ، فلا جرم جعلهم فريقين . السؤال الثاني : لم ذكر أحد الفعلين ماضياً ، والآخر مضارعاً ؟ والجواب : أنه تعالى بيّـن أنهم كيف كانوا يكذبون عيسى وموسى في كل مقام ، وكيف كانوا يتمردون على أوامره وتكاليفه ، وأنه عليه السلام إنما توفى في التيه على قول بعضهم لشؤم تمردهم عن قبول قوله في مقاتلة الجبارين . وأما القتل فهو ما اتفق لهم في حق زكريا ويحيى عليهما السلام ، وكانوا قد قصدوا أيضاً قتل عيسى وإن كان الله منعهم عن مرادهم وهم يزعمون أنهم قتلوه ، فذكر التكذيب بلفظ الماضي هنا إشارة إلى معاملتهم مع موسى عليه السلام ، لأنه قد انقضى من ذلك الزمان أدوار كثيرة ، وذكر القتل بلفظ المضارع إشارة إلى معاملتهم مع زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام لكون ذلك الزمان قريباً فكان كالحاضر . السؤال الثالث : ما الفائدة في تقديم المفعول في قوله تعالى : { فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } . والجواب : قد عرفت أن التقديم إنما يكون لشدة العناية ، فالتكذيب والقتل وإن كانا منكرين إلا أن تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقتلهم أقبح ، فكان التقديم لهذه الفائدة .