Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 77-77)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقّ } . اعلم أنه تعالى لما تكلم أولاً على أباطيل اليهود ، ثم تكلم ثانياً على أباطيل النصارى وأقام الدليل القاهر على بطلانها وفسادها ، فعند ذلك خاطب مجموع الفريقين بهذا الخطاب فقال { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقّ } والغلو نقيض التقصير . ومعناه الخروج عن الحد ، وذلك لأن الحق بين طرفي الافراط والتفريط ، ودين الله بين الغلو والتقصير . وقوله { غَيْرَ ٱلْحَقّ } صفة المصدر ، أي لا تغلوا في دينكم غلواً غير الحق ، أي غلواً باطلاً ، لأن الغلو في الدين نوعان : غلو حق ، وهو أن يبالغ في تقريره وتأكيده ، وغلو باطل وهو أن يتكلف في تقرير الشبه وإخفاء الدلائل ، وذلك الغلو هو أن اليهود لعنهم الله نسبوه إلى الزنا . وإلى أنه كذاب ، والنصارى ادعوا فيه الإلۤهية . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السبيل } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : الأهواء هٰهنا المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة . قال الشعبي : ما ذكر الله لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه . قال : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ صۤ : 26 ] { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } [ طه : 16 ] { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] قال أبو عبيدة : لم نجد الهوى يوضع إلا في موضع الشر . لا يقال : فلان يهوى الخير ، إنما يقال : يريد الخير ويحبه . وقال بعضهم : الهوى إلۤه يعبد من دون الله . وقيل : سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار ، وأنشد في ذم الهوى : @ إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد لقيت هوانا @@ وقال رجل لابن عباس : الحمد لله الذي جعل هواي على هواك ، فقال ابن عباس : كل هوى ضلالة . المسألة الثانية : أنه تعالى وصفهم بثلاث درجات في الضلال ، فبين أنهم كانوا ضالين من قبل ثم ذكر أنهم كانوا مضلين لغيرهم ، ثم ذكر أنهم استمروا على تلك الحالة حتى أنهم الآن ضالون كما كانوا ، ولا نجد حالة أقرب إلى العبد من الله والقرب من عقاب الله تعالى من هذه الحالة . نعوذُ بالله منها ، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ضلوا وأضلوا ، ثم ضلوا بسبب اعتقادهم في ذلك الاضلال أنه إرشاد إلى الحق ، ويحتمل أن يكون المراد بالضلال الأول الضلال عن الدين ، وبالضلال الثاني الضلال عن طريق الجنة . واعلم أنه تعالى لما خاطب أهل الكتاب بهذا الخطاب وصف أسلافهم فقال تعالى :